4ربيع الآخر 1435- 4-2-2014
الدرس26-عام35
المهاجرين إلىٰ مكة مرة أخرىٰ:
ثم حدث بعد ذلك أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله
عليه وسلم قَرَأَ سُورَةَ النَّجْمِ بمكة فلما وصل إلىٰ آية السجدة منها سَجَدَ وسجد
معه المسلمون والمشركون وحتىٰ الجن سجدوا، ومَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ الْقَوْمِ إِلَّا
سَجَدَ([4]).
فوصل هذا الخبر إلىٰ مهاجري الحبشة ولكن بصورة
أخرىٰ، حيث وصلهم أن مشركي مكة قد أسلموا، فرجعوا. حتىٰ إذا دنوا من مكة بلغهم أن ما
كانوا تحدثوا به من إسلام أهل مكة كان باطلاً، فلم يدخل أحد منهم إلا بجوار، أو مستخفيًا،
فكان ممن دخل عليه مكة منهم فأقام بها حتىٰ هاجر إلىٰ المدينة فشهد معه بدرًا، ومن
حبس عنه حتىٰ فاته بدر وغيره، ومن مات بمكة([5]).
وكان ممن دخل منهم بجوار: عثمان بن مظعون
دخل بجوارٍ من الوليد بن المغيرة،
وأبو سلمة بن عبد الأسد دخل بجوار من أبي طالب
بن عبد المطلب، وكان خاله، فأم أبي سلمة هي بَرَّةُ بنت عبد
المطلب([6]).
عثمان بن مظعون يرد جوار الوليد
فلما رأىٰ عثمان بن مظعون ما فيه أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم من البلاء، وهو يغدو ويروح في أمان من الوليد بن المغيرة،
قال: والله إن غدوي ورواحي آمنًا بجوار رجل من أهل الشرك، وأصحابي وأهل ديني يلقون
من البلاء والأذىٰ في الله مالا يصيبني، لنقص كبير في نفسي، فمشىٰ إلىٰ الوليد بن المغيرة
فقال له: يا أبا عبد شمس، وَفَتْ ذمَّتُك، قد رددت إليك جوارك، فقال له: لم يا ابن
أخي؟ لعله آذاك أحد من قومي، قال: لا، ولكني أرضىٰ بجوار الله ولا أريد أن أستجير بغيره!
قال: فانطلقْ إلىٰ المسجد فارددْ علىٰ جواري علانية كما أجرتك علانية، قال: فانطلقا
فخرجا حتىٰ أتيا المسجد، فقال الوليد: هذا عثمان قد جاء يرد عليَّ جواري، قال: صدق
قد وجدته وفيًا كريم الجوار، ولكني قد أحببت أن لا أستجير بغير الله، فقد رددت عليه
جواره، ثم انصرف عثمان([7]).
قصة أبي سلمة في جواره:
لما
استجار أبو سلمة بأبي طالب، مشىٰ إليه رجال من بني مخزوم، قالوا: يا أبا طالب، لقد
منعت منا ابن أخيك محمدًا، فما لك ولصاحبنا تمنعه منا؟ قال: إنه استجار بي، وهو ابن
أختي، وأنا إن لم أمنع ابن أختي لم أمنع ابن أخي، فقام أبو لهب فقال: يا معشر قريش،
والله لقد أكثرتم علىٰ هذا الشيخ، ما تزالون تتواثبون عليه في جواره من بين قومه، والله
لتنتهنَّ عنه أو لنقومنَّ معه في كل ما قام فيه حتىٰ يبلغ ما أراد، قال فقالوا: بل
ننصرف عما تكره يا أبا عتبة، وكان لهم وليًا وناصرًا علىٰ رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فأبقوا علىٰ ذلك(8)
فضل
مهاجري الحبشة :
عَنْ
أبي مُوسَىٰ رضي الله عنه قَالَ: بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ فَخَرَجْنَا مُهَاجِرِينَ إِلَيْهِ أَنَا وَأَخَوَانِ لِي أَنَا
أَصْغَرُهُمْ أَحَدُهُمَا أبو بُرْدَةَ وَالْآخَرُ أبو رُهْمٍ إِمَّا قَالَ: بِضْعٌ،
وَإِمَّا قَالَ: فِي ثَلَاثَةٍ وَخَمْسِينَ أَوْ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ
قَوْمِي فَرَكِبْنَا سَفِينَةً فَأَلْقَتْنَا سَفِينَتُنَا إِلَىٰ النَّجَاشِيِّ بِالْحَبَشَةِ
فَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بن أبي طَالِبٍ فَأَقَمْنَا مَعَهُ حَتَّىٰ قَدِمْنَا جَمِيعًا
فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ، وَكَانَ أُنَاسٌ
مِنْ النَّاسِ يَقُولُونَ لَنَا يَعْنِي لِأَهْلِ السَّفِينَةِ سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ
وَدَخَلَتْ أَسْمَاءُ بنتُ عُمَيْسٍ، وَهِيَ مِمَّنْ قَدِمَ مَعَنَا عَلَىٰ حَفْصَةَ
زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم زَائِرَةً وَقَدْ كَانَتْ هَاجَرَتْ إِلَىٰ النَّجَاشِيِّ
فِيمَنْ هَاجَرَ فَدَخَلَ عُمَرُ عَلَىٰ حَفْصَةَ وَأَسْمَاءُ عِنْدَهَا فَقَالَ عُمَرُ
حِينَ رَأَىٰ أَسْمَاءَ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالَتْ: أَسْمَاءُ بنتُ عُمَيْسٍ، قَالَ عُمَرُ:
الْحَبَشِيَّةُ هَذِهِ؟ الْبَحْرِيَّةُ هَذِهِ. قَالَتْ أَسْمَاءُ: نَعَمْ، قَالَ:
سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ فَنَحْنُ أَحَقُّ بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مِنْكُمْ
فَغَضِبَتْ وَقَالَتْ: كَلَّا وَاللَّهِ كُنْتُمْ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه
وسلم يُطْعِمُ جَائِعَكُمْ، وَيَعِظُ جَاهِلَكُمْ، وَكُنَّا فِي دَارِ أَوْ فِي أَرْضِ
الْبُعَدَاءِ الْبُغَضَاءِ بِالْحَبَشَةِ، وَذَلِكَ فِي الله وَفِي رَسُولِهِ صلى الله
عليه وسلم، وَايْمُ الله لَا أَطْعَمُ طَعَامًا، وَلَا أَشْرَبُ شَرَابًا حَتَّىٰ أَذْكُرَ
مَا قُلْتَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ كُنَّا نُؤْذَىٰ وَنُخَافُ
وَسَأَذْكُرُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَسْأَلُهُ وَاللَّهِ لَا أَكْذِبُ،
وَلَا أَزِيغُ، وَلَا أَزِيدُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
قَالَتْ: يَا نَبِيَّ الله إِنَّ عُمَرَ قَالَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: «فَمَا قُلْتِ
لَهُ؟» قَالَتْ: قُلْتُ لَهُ كَذَا وَكَذَا قَالَ: «لَيْسَ بِأَحَقَّ بِي مِنْكُمْ
وَلَهُ وَلِأَصْحَابِهِ هِجْرَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَكُمْ أَنْتُمْ أَهْلَ السَّفِينَةِ
هِجْرَتَانِ»، قَالَتْ: لَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَىٰ، وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ يَأْتُونِي
أَرْسَالًا يَسْأَلُونِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ مَا مِنْ الدُّنْيَا شَيْءٌ هُمْ بِهِ
أَفْرَحُ، وَلَا أَعْظَمُ فِي أَنْفُسِهِمْ مِمَّا قَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله
عليه وسلم قَالَ أبو بُرْدَةَ: قَالَتْ أَسْمَاءُ: لَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَىٰ وَإِنَّهُ
لَيَسْتَعِيدُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنِّي([1]).
الراوي:
أبو موسى الأشعري عبدالله بن قيس المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة
أو الرقم: 4230-خلاصة حكم المحدث: صحيح
*******************
[4]) صحيح: انظر: «صحيح البخاري» (1067، 1070، 1071)
كتاب: سجود القرآن.
([5]) «سيرة ابن هشام» 1/247.
([6]) «سيرة ابن هشام» 1/248. بتصرف يسير.
([7]) «سيرة ابن هشام» 1/248، 249.
([8]) «سيرة ابن هشام» 1/249.
([5]) «سيرة ابن هشام» 1/247.
([6]) «سيرة ابن هشام» 1/248. بتصرف يسير.
([7]) «سيرة ابن هشام» 1/248، 249.
([8]) «سيرة ابن هشام» 1/249.
الهجرة الثانية إلى الحبشة:
واستعدَّ المسلمون للهجرة مرَّة أخرى،
وعلى نطاقٍ أوسع، ولكن كانت هذه الهجرةُ الثانية أشقَّ من سابقتها، فقد
تيقَّظت لها قريشٌ وقرَّرت إحباطها، بَيْد أنَّ المسلمين كانوا أسرع،
ويسَّر الله لهم السفر، فانحازوا إلى نجاشيِّ الحبشة قبل أن يُدْرَكوا[13].
وكان عدد المهاجرين في هذه المرَّة نَحْو ثمانين رجلاً كما جاء في حديث ابن مسعود[14].
قريشٌ ترسل عمرو بن العاص وعبدالله بن أبي ربيعة إلى النجاشي؛ ليردَّ المسلمين:
عزَّ على المشركين أن يجد المهاجرون
مأمنًا لأنفسهم ودينهم! فاختاروا رجلين جَلْدين لبيبين، وهما: عمرو بن
العاص، وعبدالله بن أبي ربيعة - قبل أن يُسْلِما - وأرسلوا معهما الهدايا
المستطرَفة للنجاشيِّ ولبَطارقته[15].
وفصلنا القول قبل ذلك وقصتهم مع النجاشي
من كتاب السيرة
النبوية في ضوء مصادر الأصلية
د.مهدي رزق الله أحمد
د.مهدي رزق الله أحمد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق