تأكد قبل أن تنشر....

"من سلك طريقا يبتغي فيه علما ، سلك الله به طريقا إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم ، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ، ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد ، كفضل القمر على سائر الكواكب ، إن العلماء ورثة الأنبياء ، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ، ولا درهما ، إنما ورثوا العلم ، فمن أخذ به فقد أخذ بحظ وافر"
الراوي: أبو الدرداء المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2682-خلاصة حكم المحدث: صحيح

الخميس، 17 ديسمبر 2015

الاجتماع للعزاء

الجلوس للتعزية للشيخ صالح آل الشيخ

[ من الدرس 34 من شرح العقيدة الطحاوية ]

ملتقى أهل الحديث

س 1 / يقول عندي سؤال مهم جدا السؤال هو : لقد كثر الكلام في موضوع التعزية لأهل الميت والجلوس لتقبل العزاء ، وقد سألت أحد كبار العلماء في هذا البلد الطيب وقال : لا بأس أن يحدد يوم ويجلس للتعزية ، ودليله في ذلك أنه لما جاء خبر جعفر رضي الله عنه ظهر في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم الحزن وجلس وتقبّل العزاء من الصحابة ولكن بدون صنع الطعام ، ولكن قال لا بأس بالشاي والقهوة والماء . وقد عارض هذا الكلام أحد طلبة العلم وقال لا يجوز الجلوس للعزاء وهذا من البدعة والنياحة ، ودليله الحديث الذي في البخاري : كنا نعد الجلوس  بعد الدفن وصنع الطعام من النياحة . فنرجو من فضيلتكم البيان  والتفصيل في هذا الموضوع لأنه حصل مشاكل وخصومات بين طلبة العلم والعامة في ذلك ؟

ج / النياحة على الميت من خصال الجاهلية ، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال « ثنتان في الناس هما بهم كفر الطعن في الأنساب والنياحة على الميت » ، والنياحة على الميت من خصال أهل الجاهلية ؛ لكن المهم ما هي صورة النياحة ؟ صورة النياحة الذي عليه تفسير السلف لها - أعني الصحابة - : أن النياحة لها صور وكن من صورها في الاجتماع على العزاء أنها ما جمعت شيئين : الأول : أن يكون هناك اجتماع للعزاء عند أهل الميت وجلوس طويل عندهم . الثاني : أن يكون هناك صنع للطعام من أهل الميت لإكرام هؤلاء ، والتباهي بكثرة من يمكث إظهارا للمصيبة لهذا الميت . وهذا هو الذي قاله أبو أيوب رضي الله عنه ورحمه قال : كنا نعد الجلوس إلى أهل الميت وصنعهم الطعام من النياحة . فالنياحة هي ما جمعت الأمرين معا : الجلوس وصنع الطعام . أما الجلوس للتعزية فقط فهذا ما أعلم أن أحدا من السلف قال إنه من النياحة وحده ، أو أنه نهى عنه ؛ بل جاء في صحيح البخاري رحمه الله ـ ( عن عائشةَ زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم " أنها كانت إذا مات المَيْتُ من أهلِها فاجتمعَ لذَلك النساءُ ثمّ تَفَرّقْن - إلا أهلَها وخاصّتَها - أمرَت ببُرْمَةٍ من تَلْبينةٍ فطُبِخَت , ثمّ صُنِعَ ثريدٌ فصُبّتِ التّلْبينَةُ عليها ثم قالت : كلنَ منها , فإِنّي سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول : التّلبينة مَجمّةٌ لفؤاد المريض , تَذهَبُ ببعضِ الحُزْن " . وهو لفظ البخاري ) ـ . أن عائشة رضي الله عنها : كان إذا مات لها ميت اجتمع النساء عندها ، فإذا أتى وقت الطعام أمرت بالبرمة فأُصلحت فشربوا منها أو أكلوا منها . يعني العدد القليل أقارب عائشة رضي الله عنها وهذا يدل على أن الاجتماع والجلوس إذا لم يصحبه منكرات أخر فإنه لا بأس به . والعلماء من أئمة أهل السنة والحديث حينما نهوا نهو عن الأمرين مجتمعين ، وقالوا إن السنة هو عدم الجلوس عدم الجلوس للعزاء ؛ لكن أن يكون الجلوس نياحة دون صنع الطعام هذا لا ينبغي أن يقال به ، ولا أن ينسب إلى أحد من الأئمة أو من الصحابة أو من التابعين . الجلوس أُختلف فيه وحده ، هل يجوز يشرع أو لا يشرع وحده ؟ أما كونه من النياحة فهذا لا يكون من النياحة إلا إذا اجتمع معه صنع أهل الميت الطعام تفاخرا ، هؤلاء عندهم كل يوم هذا الميت ما أكثر الذين يحبونه ، أنظر كيف البيت الذي فيه ، كل يوم ويذبحون وكذا والصور قائمة فاخرا وتظاهرا وهذا هو الذين كان عند أهل الجاهلية . أما الجلوس جلوس أهل الميت للعزاء هذا اختلف فيها أهل العلم : والجمهور على أن السنة أن لا تخص بجلوس لا لثلاثة أيام ولا لسبعة أو يوم ، وهذا باعتبار الزمن السابق ؛ يعني باعتبار أزمانهم أو القرى أو الأماكن التي يمكن حصول سنّة التعزية إذا لم يجلس المعزّى ، ليش ؟ لأنه في السابق في البلد إذا ما جلس في بيته هو بيجلس في السوق أو يجلس في المسجد ؛ يعني البلد قريبة يمكن أن يجده في الضحى يجده في العصر يعني معروف المكان وهو قريب ، أما إذا كان عدم الجلوس ، سيترتب عليه فوات سنة التعزية فإن الوسائل لها أحكام المقاصد شرعا . ولذلك الذين لا يجلسون ممن رأيناهم - أخذا بفتوى بعض المشايخ في هذه المسألة - ، الذين لا يجلسون يفوت على الناس أن يعزوهم وأن يواسوهم في مصيبتهم ، هو في عمله ، هو عند صديقه ، هو في السوق ، هو راح ، ما يعرف أين هو ؛ بل بعضهم يتعمد الخروج من البيت حتى لا يجلس ، وهذا كله مخالف للحق ؛ لأن التعزية مشروعة والوسائل لها أحكام المقاصد ؛ فإذا كان الجلوس للتعزية ليس معه منكر وليس معه نياحة أو صنع للطعام من أهل الميت ، فإن هذا من باب الوسائل لها أحكام المقاصد ، وحديث البخاري الذي ذكرت لك من اجتماع النساء عند عائشة يدل على ذلك ، والمرأة الأصل فيها ألا تخرج ، الأصل في المرأة أن لا تخرج فيأتي المعزي يعزي عائشة وحدها ، فكون النساء اجتمعنا عندها يدل على أن الاجتماع دون صنع الطعام للمعزين أنه لا بأس به . هذه مسـألة مهمة في هذا الأمر ، فمن شدّد فيها من أهل العلم قوله يخالف الأصول التي ذكرتُ لك من السنة ومن القواعد ومن فهم معنى النياحة عند أهل الجاهلية . والذي رأيناه من علمائنا في هذا البلد وفي غيره حتى علماء الدعوة من قبل أنهم كانوا يجلسون ؛ لأنه لا تكون المصلحة إلا بذلك ، إذا فات ذلك فاتت التعزية سنة التعزية لا يسوغ أن تفوت . في الرياض مثلا - في المدن الكبار - كيف ستجد من تعزيه ؟ لن تجده ستفوت التعزية سنة التعزية ستفوت لأجل أن لا يحصل الجلوس . الجلوس في نفسه مختلَفٌ فيه ، ثم من قال بأن الجلوس لا يشرع ؛ يعني التعبد بالجلوس وهو أن يكون الجلوس سنة ، يقول أجلس مع أن البلد صغير البلد مكانين ثلاثة ، يجلس لأنه يخشى أن يكون جلوسه وسيلة للنياحة . فإذن هذه المسألة مهمة وهي راجعة إلى : هل الجلوس له صفة النياحة صفة أهل الجاهلية أم لا ؟ كيف تكون له صفة أهل الجاهلية ؟ إذا كان الجلوس واضح فيه نَوْح ، واضح فيه تفاخر ، واضح فيه [ كثرة ] مثل ما يفعل فيه بعض القبائل أو بعض البادية ونحو ذلك ليس جلوس للعزاء ، وإنما هو جلوس لإظهار الفخر والخيلاء بكثرة أن يقدم للتعزية بوفاة هذا الميت . أما الجلوس بمجرده - يعني دون نياحة - فلا بأس به . فإذن النياحة التي جاءت في السنة التي قالها الصحابة هي ما يجمع أمرين - هي التي كان عليها أهل الجاهلية - فيجتمعون يتفاخرون بكثرة الجمع ثم يصنع أهل الميت الطعام ، كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام من النياحة ، اجتمع الناس وصنعوا الطعام فصار نياحة ؛ لأنه المقصود منه إظهار الفخر والنَّوح على فَقْد هذا الرجل . ... في أي محل ، المقصود يعرفونه الناس ؛ لكن ما يكون في المقبرة لأن المقبرة ليست مكان للتعزية ، ليست مكان للجلوس . ... إذا كان أهل البيت لا بأس ، لا يكون المعزين يجتمعون عشرين ثلاثين ، خمسين ، صار تفاخر بالكثرة إذا كان أهل البيت ، ما جرت به العادة فلا بأس . ... الإعلان في الجرائد هذا يسمى نعي ، ليس نياحة، النياحة غير النعي ، النعي مكروه كراهة شديدة ، وبعض العلماء حرمه ؛ لكن النعي المحرم هو التفاخر يعني ذكر محاسن الميت على وجه التفاخر قبل دفنه أو بعد دفنه . لكن من أعلم الناس بموت الميت للصلاة عليه دون ذكر أمجاده أو ذكر فضائله أو نحو ذلك فهذا ليس نعيا منهيا عنه ويدل على ذلك ما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى إلى الصحابة النجاشيَّ في اليوم الذي مات فيه ، وقال ( صلوا على أخيكم أصحمة فإنه قد مات ) فصلى بهم وكبر عليه أربعا يعني صلاة الغائب ، فالصحابي عبّر بأنه نعى ، نعى يعني أخبر بموته تأسفا ، فإذا كان النعي وهو الإخبار بالموت تأسفا لأجل الصلاة عليه فلا بأس إخبار من يصلي عليه ، أما التفاخر أو لأجل الاجتماع للعزاء ونحو ذلك ، والعزاء في بيت فلان فهذا من النعي المنهي عنه . [ من شرح الطحاوية الدرس 42 ] س 2 / لا يخفى عليكم ما يحصل من مخالفات في التعزية في هذا الزمن ، وأقلها اجتماع أهل الميت القريبين والبعيدين في بيت أحدهم أو في بيت الميت ، وتلقي العزاء لمدة أيام ، وقد اختلفت آراء العلماء في هذا . فالسؤال : إذا حصل لي ذلك هل أترك المنزل ولا أستسلم مع أن أقاربي يحملون الإنسان على ذلك، إلى آخره ؟ ج / مسائل التعزية واجتماع أقارب الميت الذين يقصد تعزيتهم أو مواساتهم في موت قريب لهم ؛ يعني الاجتماع المعروف الذي يسمى اجتماع العزاء هذا حصل الكلام ؛ كلام الشباب فيه وبعض الناس في هذا الوقت من جراء فتوى من لفضيلة الشيخ محمد بن عثيمين في أن الاجتماع لا يشرع ، أصل الاجتماع بل الذي يشرع هو التفرق . وبقية علمائنا وعلى رأسهم سماحة الشيخ عبد العزيز وبقية المشايخ يقولون لا بأس بالاجتماع ، وهذا القول هو الأولى والراجح ؛ لأن الاجتماع إلى أهل الميت في هذا الزمن يحصل به التعزية والتعزية سنة وعمل مشروع قد قال عليه الصلاة والسلام من عزى مصابا فله مثل أجره ، والمواساة مشروعة ، وإذا تفرق الناس فلن تحصل المواساة والتعزية إلا بكَلَفة ؛ يعني أين تلقاه هل في العمل الفلاني ستجده أو في بيته أو خرج ، سيكون هناك مشقة في التتبع وفوت للتعزية . ولهذا قال من أفتى بمشروعية الاجتماع قال : إنه يدخل تحت قاعدة الوسيلة للمشروع مشروعة ، وأن الوسائل لها أحكام المقاصد ، فلما كان المقصد وهو السعي مشروعا فوسيلته الآن وهي الاجتماع مشروعة ، في مثل هذه المدن الكبار مثل تفرق الناس ونحو ذلك ، لا يحصل إلا بهذا ، إلا فيما نذر إذا كانت القرية صغيرة أو الإنسان معروف أنه طول الوقت في هذا أو كان المعزى واحد فقط ؛ يعني واحد فقط إما أن يكون في بيته أو في عمله ، فهذه المسألة تختلف ؛ لكن إذا تعددوا وصارت التعزية لا تحصل إلا بالاجتماع اجتماع من يُعزى أولى من تفرقهم ؛ لأن التعزية التي فيها تسلية ومواساة وتحصيل لأجر لا تحصل إلا بذلك . هنا هل الاجتماع يُعد من النياحة ؟ الاجتماع لا يعد من النياحة إلا إذا انظم إليه أن يصنع أهل الميت الطعام للحاضرين جميعا ليظهر الفخر وليظهر كثرة من يحضر الوليمة ونحو ذلك ، وهذا موجود كان في الجاهلية ، ولهذا جاء في حديث أبي أيوب : كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام من النياحة . فالنياحة تشمل شيئين صنع الطعام مع الاجتماع لماذا ؟ لأن أهل الميت هم الذين يصنعون الطعام ويدعون الناس ليقال هذا عزاء فلان أنه أكبر عزاء، أو أنهم اجتمعوا لأجل فلان ، ما يموت ويروح هكذا ، مثل ما يقول بعض البادية ، فيعملون [...] ضخمة وكذا ، وهم الذين يتكلفون بصنع الطعام وبنحر الإبل وذبح الذبائح ؛ ليكثر من يجتمعوا عليها ، هذه النياحة المنهي عنها بالاتفاق . أما الاجتماع اجتماع المواساة والعزاء دون صنع الطعام ودون تكلف ، فإن هذا لا يدخل في النياحة ، وقد جاء في صحيح البخاري أن عائشة رضي الله عنها كان إذا مات لها ميت اجتمع النساء من قرابتها إليها ، اجتمعوا إليها ، فقالت : فربما حضر وقت الطعام فقامت امرأة إلى برمتها أو كذا فصنعت شيئا يأكلونه . يعني هؤلاء القرابة القليلين . استدل بهذا الحديث على أن أصل الاجتماع للنساء لأجل المواساة تجتمع المرأة بقريبتها أختها فلانة كذا أن هذا له اصل من هدي السلف . أيضا الاجتماع اجتماع الرجال ليس ثم ما يمنع منه . ابن القيم رحمه الله وغيره تكلموا عن مسألة الاجتماع وقالوا : إن هدي السلف هو التفرق ، والنبي صلى الله عليه وسلم ما أثر عنه أنه جلس في مكان ليقبل العزاء أو نحو ذلك ، وهذا صحيح لكن ليس الحال هو الحال ، وليس الوقت هو الوقت ، وليست الصورة هي الصورة الموجودة في هذا الزمن ، فكلام ابن القيم على بابه في قرية ؛ واحد معروف إذا ما لقيته في بيته تلقاه في المسجد أو في السوق أو نحو ذلك ، في شيء محدود هذا صحيح . أما في مثل بلد لا يمكن أن يلتقي فيه الناس إلا باجتماع ، أو إذا تفرقوا عسر على الناس تحقيق سنة العزاء فإن الاجتماع للعزاء لا بأس به . أما تحديد مدة فلا أصل له ، تحديد مدة ثلاثة أيام سبعة أيام اختلف فيها الفقهاء لكن لا أصل له من السنة ، السنة ليس فيها دليل يدلُّ على أن مدة العزاء محدودة بأيام ؛ بل مدة العزاء تكون بحسَب من يأتي ، إذا كان الناس يأتون يوم فينتهي ، يومين وانتهى ، خمسة أيام وانتهى وهكذا ، وإذا كان غالب أحوال الناس أنهم في ثلاثة أيام الأول ينتهون ؛ لكن لا اصل لتحديد المدة في الشرع .

الثلاثاء، 27 أكتوبر 2015

72- دروس وعبر من غزوة الأحزاب

  دروس وعبر من غزوة الأحزاب
(626 م - 5 هجرية)
72- بتاريخ 13محرم 1437هـ

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.. أما بعد: 

فهذه مجموعة دروس وعبر منتقاة من غزوة الأحزاب التي وقعت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين الأحزاب الكفرة المعتدين من أهل قريش واليهود وكفار العرب الذين أرادوا إزالة الإسلام من معقله ومن منبته في المدينة المشرفة زادها الله شرفا ونورا، وهي حادثة معروفة، وسوف نأخذ من دروسها وعبرها ما ينفع كل مؤمن لبيب عاقل،

 فمن تلك الدروس:
1- أن اجتماع الأحزاب وأعداء الإسلام على الدين وأهله عادة ماضية في كل زمان ومكان، فلا تنقطع عداوتهم، وفي ذلك حكمة بالغة في الرجوع إلى الله، وصدق التوكل عليه، والإنابة والذل وإظهار الحاجة، وبذل الغالي لهذا الدين، قال تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}التوبة:32.
 إلا أن الله -عز وجل- حامي دينه، وناصر عباده المؤمنين، قال ابن القيم -رحمه الله-: "فمن ظن بأنه لا ينصر رسوله، ولا يتم أمره، ولا يؤيده ويؤيد حزبه، ويعليهم ويظفرهم بأعدائه، ويظهرهم عليهم، وأنه لا ينصر دينه وكتابه، وأنه يديل الشرك على التوحيد والباطل على الحق إدالة مستقرة، يضمحل معها التوحيد والحق اضمحلالاً لا يقوم بعده أبداً، فقد ظن بالله ظن السوء، ونسبه إلى خلاف ما يليق بكماله وجلاله وصفاته ونعوته، فإن حمده وعزته وحكمته وإلهيته تأبى ذلك، وتأبى أن يذل حزبه وجنده، وأن تكون النصرة المستقرة والظفر الدائم لأعدائه المشركين به، العادلين به، فمن ظن به ذلك فما عرفه، ولا عرف أسماءه، ولا عرف صفاته وكماله" 1 

 وعلى مر العصور وتقلب الدهور قول الصادق: (بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ وَالرِّفْعَةِ وَالدِّينِ وَالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ)2 لكن الأمر مشروط بشروطه، ومقيد بقيوده: {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ}محمد:173.

2- ومن الدروس أن الله -عز وجل- يحفظ عباده المؤمنين في معاركهم ويمدهم بجيش من عنده ولا يضيعهم، كما أنزل عليهم الملائكة يوم بدر، وأرسل الريح في غزوة الأحزاب. كما قال: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}الروم:47 وقال:{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} الحج:38.

 وهنا في الأحزاب قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا}(9) سورة الأحزاب.


  3- ومن الدروس أيضاً أن المؤمن لا تزيده الكروب والشدائد إلا إيماناً ويقيناً وصلابة بخلاف الذين في قلوبهم مرض، وفي ظل هذه الغزوة، وهذا الجو الشديد، والكرب العظيم، انقسم الناس إلى قسمين: قسم آمن بوعد الله ونصره، كما قال تعالى: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً}الأحزاب:22.
 
وأما المنافقون والذين في قلوبهم مرض فقد زاغت قلوبهم، عندما رأوا جموع الكفار وعدتهم، كما صور ذلك سبحانه وتعالى: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً}الأحزاب:13.
 
وقال المنافقون: "كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط"4 وتنصلوا من الجهاد وهربوا منه.{وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً}الأحزاب:113.


  4- ومن الدروس المستفادة من هذه الغزوة أن على القائد أن يستشير أصحابه، ويأخذ آراءهم، كما استشار النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه، فأشار سلمان الفارسي -رضي الله عنه– وقال: يا رسول الله: "إنا كنا بأرض فارس إذا حوصرنا خندقنا علينا". فاستحسن رسول الله  هذا الرأي منه وعمل به، وكان مما لم تعرفه العرب.


  5- ومن الدروس المستفادة  أنه يجب على المسلمين إعداد العدة، واتخاذ وسائل القوة الممكنة مهما كان مصدرها، لأن الحكمة ضالة المؤمن، فحيثما وجدها أخذها، فحفر الخندق يدخل في مفهوم القوة لقوله تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ}(60) سورة الأنفال).
 

 6- ومن الدروس أن على المسلم الاستسلام لله ورسوله فإنه سبب للثبات عند الشدائد، كما جاء في سورة الأحزاب: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِيناً} آية 36 الأحزاب. 

وهذه الآية تؤكد على هذا المعنى وهو الاستسلام لله تعالى والامتثال لأوامره وأوامر رسوله، ولو لم يعرف المسلم الحكمة من وراء ذلك، فهو عبد لله وطاعته لازمة وواجبة. 


7- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعطى مثلاً حياً على رأفته بالمؤمنين، حيث شاركهم في حفر الخندق، ويوم أشركهم معه في طعام جابر، ولم يستأثر به. 
 
و هذا مصداقاً لقول الله تعالى: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}(128) سورة التوبة. فهو -صلى الله عليه وسلم- أرحم بهم، وأشد رفقاً حتى في أحلك الظروف، وأشد المواقف.  


  8- أن المعجزات الكثيرة التي أجراها الله على يد نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- في هذه الغزوة، سواء التي كانت في حفر الخندق، أو تكثير طعام جابر، أو الرياح التي كانت عذاباً من الله على المشركين، لهي من تأييد الله  لرسوله والمؤمنين، ولإقامة الحجة على  أعداء الدين.


  9- ومن الدروس مشروعية قضاء الفائتة فإن المشركين لما شغلوا الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه عن صلاة، صلوها قضاء بعد المغرب.


  10- ومن الدروس أن النصر في المعارك لا يكون بكثرة العدد، ووفرة السلاح، وإنما يكون بقوة الروح المعنوية لدى الجيش، وقد كان الجيش الإسلامي في جميع معاركه، يمثل العقيدة النقية والإيمان المتقد، والفرح بالاستشهاد، والرغبة في ثواب الله وجنته، كما يمثل الفرحة من الانعتاق من الضلال، والفرقة والفساد، بينما كان جيش المشركين يمثل فساد العقيدة، وتفسخ الأخلاق، وتفكك الروابط الاجتماعية، والانغماس في الملذات، والعصبية العمياء للتقاليد البالية، والآباء الماضين، والآلهة المزيفة.


  11- ومن الدروس أيضاً أن الخدعة في حرب الأعداء مشروعة، إذا كانت تؤدي إلى النصر، وأن كل طريق يؤدي إلى النصر وإلى الإقلال من سفك الدماء مقبول في نظر الإسلام، ما عدا الغدر والخيانة. ويأخذ هذا مما طلبه الرسول -صلى الله عليه وسلم- من نُعيم بن مسعود، أن يخذِّل بين الأحزاب ما استطاع في غزوة الأحزاب.
 
وهذا من حكمته السياسية والعسكرية -صلى الله عليه وسلم-، وهو لا ينافي مبادئ الأخلاق الإسلامية، فإن المصلحة في الإقلال من عدد ضحايا الحروب مصلحة إنسانية.
 
والمصلحة في انهزام الشر والكفر والفتنة مصلحة إنسانية وأخلاقية، فاللجوء إلى الخدعة في المعارك يلتقي مع الأخلاق الإنسانية التي ترى في الحروب شراً كبيراً، فإذا اقتضت الضرورة قيامها، كان من الواجب إنهاؤها عن أي طريق كان، لأن الضرورة تقدر بقدرها، والله لم يشرع القتال إلا لحماية دين أو أمة أو أرض، فالخدعة مع الأعداء بما يؤدي إلى هزيمتهم، تعجيل بانتصار الحق الذي يحاربه أولئك المبطلون.
 
 ولذلك أثر عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- في هذه الغزوة قوله لعروة بن مسعود:(الحرب خدعة)5 وهذا مبدأ مسلم به في جميع الشرائع والقوانين.


  12- وفي تقدم النبي -صلى الله عليه وسلم- الصفوف في هذه المعركة، وفي كل معركة، وخوضه غمارها معهم إلا فيما يشير به أصحابه، دليل على أن مكان القيادة لا يحتله إلا الشجاع المتثبت، وأن الجبناء خائري القوى لا يصلحون لرئاسة الشعوب، ولا لقيادة الجيوش، ولا لزعامة حركات الإصلاح، ودعوات الخير، فشجاعة القائد والداعية بفعله وعمله يفيد في جنوده وأنصاره في إثارة حماسهم، واندفاعهم ما لا يفيده ألف خطاب حماسي يلقونه على الجماهير.
 
ومن عادة الجنود والأنصار أن يستمدوا قوتهم من قوة قائدهم ورائدهم، فإذا جبن في مواقف اللقاء، وضعف في مواطن الشدة، أضر بالقضية التي يحمل لواءها ضرراً بالغ6.


  13- ومن الدروس المستفادة أن المنح تخرج من رحم المحن، فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الظرف القاسي والشديد، والصحابة في حصار وجوع، وخوف شديد يضرب الصخرة، ويبشرهم بكنوز كسرى، ودخول المدائن، وفتح اليمن، الله أكبر! إن زراعة الأمل في مثل هذا الظرف ليدل على مدى ثقة القائد بوعد الله ونصره ورباطة الجأش والطمأنينة الكبيرة. 
 
هذا ما تيسر ذكره من الدروس والعبر المستفادة من غزوة الأحزاب، نسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحب ويرضاه.
 
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.   

1 -  زاد المعاد جزء 3 -  صفحة 196 
2 - مسند أحمد - (ج 43 / ص 231 – 20273) وقال الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 2825 في صحيح الجامع .
3 - المرجع بتصرف غزوة الأحزاب مواقف وعبر
4 - السيرة النبوية لابن كثير - (ج 3 / ص 201)
5 - صحيح البخاري - (ج 10 / ص 229 – 2805) وصحيح مسلم - (ج 9 / ص 165 - 3273) عن جابر.
6  -  المراجع بتصرف : 1 – السيرة النبوية دروس وعبر – مصطفى السباعي 

الثلاثاء، 13 أكتوبر 2015

70- مائة فائدة من حادثة الإفك


مائة فائدة من حادثة الإفك
29 ذو الحجة 1436
د. مهران ماهر عثمان

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وأصلي وأسلم على خير المرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد؛
فإنَّ من تأمل في أحداث قصة الإفك وما نزل بسببها من آيات يجد أنها اشتملت على فوائد غزيرة ، لا غنى لمسلم عنها ، فأحببت أن أكتب عن بعض ذلك ، عسى الله أن ينفع بها .

ولعلي أتناول هذه الحادثة من محاور ثلاثة :

أولاً : سرد قصة الإفك :
في صحيح البخاري

قَالَتْ عائشة رضي الله عنها : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ ، فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا ، فَخَرَجَ فِيهَا سَهْمِي ، فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَذَلِكَ بَعْدَ مَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ ، فَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي وَأُنْزَلُ فِيهِ ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوِهِ وَقَفَلَ وَدَنَوْنَا مِنْ الْمَدِينَةِ آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ ، فَلَمَّا قَضَيْتُ مِنْ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إِلَى الرَّحْلِ ، فَلَمَسْتُ صَدْرِي ، فَإِذَا عِقْدِي مِنْ جَزْعِ ظَفَارِ قَدْ انْقَطَعَ ، فَرَجَعْتُ ، فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي ، فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ ، وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يُرَحِّلُونِي فَحَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِيَ الَّذِي كُنْتُ أَرْكَبُ ، وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ ، وَكَانَتْ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يُهَبَّلْنَ (يَهْبُلْنَ) وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ ، إِنَّمَا يَأْكُلْنَ الْعُلْقَةَ مِنْ الطَّعَامِ فَلَمْ يَسْتَنْكِرْ الْقَوْمُ ثِقَلَ الْهَوْدَجِ حِينَ رَفَعُوهُ وَحَمَلُوهُ ، وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ ، فَبَعَثُوا الْجَمَلَ وَسَارُوا ، وَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَ مَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ ، فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا دَاعٍ وَلَا مُجِيبٌ ، فَتَيَمَّمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ فِيهِ ، وَظَنَنْتُ أَنَّ الْقَوْمَ سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ ، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ قَدْ عَرَّسَ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ ، فَادَّلَجَ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي ، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ ، فَأَتَانِي فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي ، وَقَدْ كَانَ يَرَانِي قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الْحِجَابُ عَلَيَّ ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي ، فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي ، وَوَاللَّهِ مَا يُكَلِّمُنِي كَلِمَةً وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ ، حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ ، فَوَطِئَ عَلَى يَدِهَا ، فَرَكِبْتُهَا ، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِيَ الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ بَعْدَ مَا نَزَلُوا مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ ، فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ فِي شَأْنِي ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ ، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ شَهْرًا وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ وَلَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، وَهُوَ يَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لَا أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي ، إِنَّمَا يَدْخُلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُولُ :«كَيْفَ تِيكُمْ» ؟ فَذَاكَ يَرِيبُنِي وَلَا أَشْعُرُ بِالشَّرِّ ، حَتَّى خَرَجْتُ بَعْدَ مَا نَقَهْتُ ، وَخَرَجَتْ مَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ -وَهُوَ مُتَبَرَّزُنَا - وَلَا نَخْرُجُ إِلَّا لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الْكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا ، وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الْأُوَلِ فِي التَّنَزُّهِ ، وَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالْكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوتِنَا ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ -وَهِيَ بِنْتُ أَبِي رُهْمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ، وَأُمُّهَا ابْنَةُ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ ، خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ - فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَبِنْتُ أَبِي رُهْمٍ قِبَلَ بَيْتِي حِينَ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا ، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا فَقَالَتْ : تَعِسَ مِسْطَحٌ . فَقُلْتُ لَهَا : بِئْسَ مَا قُلْتِ! أَتَسُبِّينَ رَجُلًا قَدْ شَهِدَ بَدْرًا ؟ قَالَتْ : أَيْ هَنْتَاهْ أَوْ لَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ ؟ قُلْتُ : وَمَاذَا؟ فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ ؛ فَازْدَدْتُ مَرَضًا إِلَى مَرَضِي ، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ : «كَيْفَ تِيكُمْ»؟ قُلْتُ : أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ ؟ وَأَنَا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أَنْ أَتَيَقَّنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا ، فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَجِئْتُ أَبَوَيَّ ، فَقُلْتُ لِأُمِّي : يَا أُمَّتَاهْ مَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ فَقَالَتْ : يَا بُنَيَّةُ ، هَوِّنِي عَلَيْكِ ، فَوَاللَّهِ لَقَلَّمَا كَانَتْ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا وَلَهَا ضَرَائِرُ إِلَّا كَثَّرْنَ عَلَيْهَا . فقُلْتُ : سُبْحَانَ اللَّهِ ! وَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا ؟ فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ ، ثُمَّ أَصْبَحْتُ أَبْكِي ، وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ يَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ ، فَأَمَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ ، وَبِالَّذِي يَعْلَمُ فِي نَفْسِهِ لَهُمْ مِنْ الْوُدِّ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هُمْ أَهْلُكَ وَلَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا . وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ : لَمْ يُضَيِّقْ اللَّهُ عَلَيْكَ ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ ، وَإِنْ تَسْأَلْ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ . قَالَتْ : فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِيرَةَ ، فَقَالَ : «أَيْ بَرِيرَةُ هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ مِنْ عَائِشَةَ» ؟ قَالَتْ لَهُ بَرِيرَةُ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا قَطُّ أَغْمِصُهُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ ، تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا ، فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ .
فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ ، فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ -:«يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ ، مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَ أَذَاهُ فِي أَهْلِ بَيْتِي؟ فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا ، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا ، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي» . فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ : أَنَا أَعْذِرُكَ مِنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنْ كَانَ مِنْ الْأَوْسِ ضَرَبْنَا عُنُقَهُ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ . فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ -وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ ، وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا ، وَلَكِنْ اجْتَهَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ - فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ : كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ ، لَا تَقْتُلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ . فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ -وَهُوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ - فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ : كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ ، لَنَقْتُلَنَّهُ ، فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ . فَثَارَ الْحَيَّانِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ ، وَبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ ، ثُمَّ بَكَيْتُ لَيْلَتِي الْمُقْبِلَةَ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ وَأَبَوَايَ يَظُنَّانِ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي .
فَبَيْنَمَا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي اسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَأَذِنْتُ لَهَا ، فَجَلَسَتْ تَبْكِي ، فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ ، وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ لِي مَا قِيلَ، وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لَا يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي بِشَيْءٍ ، فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ جَلَسَ ثُمَّ قَالَ : «أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ ؛ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا ، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبٍ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ» . فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً ، فَقُلْتُ لِأَبِي : أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا قَالَ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَقُلْتُ لِأُمِّي : أَجِيبِي عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ : وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَقُلْتُ -وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ ، لَا أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنْ الْقُرْآنِ : إِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ بِهَذَا حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي نُفُوسِكُمْ ، وَصَدَّقْتُمْ بِهِ، فَإِنْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي بَرِيئَةٌ -وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ - لَا تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ ، وَلَئِنْ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ -وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ - لَتُصَدِّقُونَنِي ، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا إِلَّا كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ : {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} .
ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي ، وَأَنَا وَاللَّهِ حِينَئِذٍ أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي ، وَلَكِنْ -وَاللَّهِ- مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ يُنْزَلَ فِي شَأْنِي وَحْيٌ يُتْلَى ، وَلَشَأْنِي كَانَ أَحْقَرَ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى ، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا .
فَوَاللَّهِ مَا رَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسَهُ وَلَا خَرَجَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ أَحَدٌ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنْ الْبُرَحَاءِ عِنْدَ الْوَحْيِ ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ مِنْ الْعَرَقِ فِي الْيَوْمِ الشَّاتِ مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ ، فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وَهُوَ يَضْحَكُ - فَكَانَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ :«أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ ، أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ بَرَّأَكِ» . فَقَالَتْ لِي أُمِّي : قُومِي إِلَيْهِ. فَقُلْتُ : وَاللَّهِ لَا أَقُومُ إِلَيْهِ ، وَلَا أَحْمَدُ إِلَّا اللَّهَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ } عَشْرَ آيَاتٍ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ بَرَاءَتِي، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ -وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ ؛ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ - : وَاللَّهِ لَا أُنْفِقُ عَلَيْهِ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ :{ وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى } إِلَى قَوْلِهِ :{أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ } . فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَقَالَ : لَا أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا .
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ -زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَمْرِي :«مَا عَلِمْتِ» ؟ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي ، وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِلَّا خَيْرًا ، وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِالْوَرَعِ ، وَطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ تُحَارِبُ لَهَا ، فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ.
قَالَ عُرْوَةُ : كَانَتْ عَائِشَةُ تَكْرَهُ أَنْ يُسَبَّ عِنْدَهَا حَسَّانُ وَتَقُولُ : فَإِنَّهُ قَالَ :
فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ
وقَالَتْ : وَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي قِيلَ لَهُ مَا قِيلَ لَيَقُولُ : سُبْحَانَ اللَّهِ ! فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا كَشَفْتُ مِنْ كَنَفِ أُنْثَى قَطُّ ، ثُمَّ قُتِلَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ .
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 4141 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]


ثانياً : معنى ما ورد فيها من الغريب
وهذا مأخوذ من كلام الحافظ في الفتح ومن شرح النووي على صحيح مسلم رحمة الله على الجميع ..
الغزوة التي أشارت إليها هِيَ غَزْوَة بني الْمُصْطَلِق .
وَالْهَوْدَج : محمل لَهُ قُبَّة تُسْتَر به النساء ، يكون بِالثِّيَابِ وَنَحْو ذلك .
جزع : خرز ، وظفار مدينة باليمن .
والرهط من ثلاثة إلى عشرة .
َرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِيَ : وضعوه .
لَمْ يُهَبَّلْنَ : لم يكثر اللحم في أبدانهن .
العلقة : الذي يسد الرمق .
حديثة السن : صغيرة ، وكان عمرها أشفّ من خمسة عشر عاماً .
وموغرين : نَازِلِينَ فِي وَقْت الْوَغْرَة ، وَهِيَ شِدَّة الْحَرّ لَمَّا تَكُون الشَّمْس فِي كَبِدِ السَّمَاء .
وتيكم للمؤنث مثل ذاكم للمذكر .
نقهت : قمت من مرضي وما رجعت إليّ تمام صحتي .
قولها : هنتاه ، قال الحافظ :" أَيْ حَرْف نِدَاء لِلْبَعِيدِ وَقَدْ يُسْتَعْمَل لِلْقَرِيبِ حَيْثُ يَنْزِل مَنْزِلَة الْبَعِيد ، وَالنُّكْتَة فِيهِ هُنَا أَنَّ أُمّ مِسْطَح نَسَبَتْ عَائِشَة إِلَى الْغَفْلَة عَمَّا قِيلَ فِيهَا لِإِنْكَارِهَا سَبَّ مِسْطَح فَخَاطَبَتْهَا خِطَاب الْبَعِيد ، وَهَنْتَاهْ بِفَتْحِ الْهَاء وَسُكُون النُّون وَقَدْ تُفْتَح بَعْدَهَا مُثَنَّاة وَآخِرُهُ هَاء سَاكِنَة وَقَدْ تُضَمّ ، أَيْ : هَذِهِ ، وَقِيلَ : اِمْرَأَة ، وَقِيلَ : بُلْهَى ؛ كَأَنَّهَا نَسَبَتْهَا إِلَى قِلَّة الْمَعْرِفَة بِمَكَائِدِ النَّاس . وَهَذِهِ اللَّفْظَة تَخْتَصّ بِالنِّدَاءِ وَهِيَ عِبَارَة عَنْ كُلّ نَكِرَة ، وَإِذَا خُوطِبَ الْمُذَكَّر قِيلَ يَا هَنَة " .
قول أم عائشة رضي الله عنهما (ضرائر) : قيل للزوجات ذلك لأن الضرر يحصل لكل واحدة من الأخرى بالغيرة .
وأما قول بريرة : "وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا قَطُّ أَغْمِصُهُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا ، فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ", فالداجن : كل حيوان يألف البيوت ، والمراد : إذا كان هذا حالها لا تمنع طعامها من الحيوان فهذا اقرب لأن تكون غافلة مؤمنة لا تخطر الفاحشة على بالها .
فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ: طلب من ينصفه منه، والعزير الناصر ، ومن يعذرني من ينصرني .

ثالثاً : مائة فائدة من حادثة الإفك

1. جواز القرعة .
2. سفر المرأة يكون مع زوج أو محرم .
3. خروج المرأة إلى الغزو .
4. وجوب الحجاب؛ فإنه إذا فُرض على أمهات المؤمنين كان على غيرهن أولى ، والأدلة على ذلك كثيرة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
5. اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بأمر الجهاد والغزو ، فهو ذروة سنام الإسلام .
6. أنّ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يعلمون الغيب ، ولو كان يعلم الغيب لما ترك زوجه بمفردها، وأما أصحابه فلما مضى ، ولحملهم الهودج وهو خلو منها .
7. خدمة الأجانب للمرأة من وراء الحجاب .
8. خروج المرأة بدون إذن زوجها في الأمور التي جرى العرف بها، فعائشة رضي الله عنها لم تستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند خروجها لقضاء الحاجة ، وإلاَّ لما غادر المكان بدونها .
9. رعاية الله لأوليائه، وهذا يتضح من جوانب عديدة : فبالنوم ينقطع تفكير عائشة رضي الله عنه فيما أهمها وأقلق راحتها، ويقدر الله تأخُّر صفوان ليُلحِقَها بالجيش ، وتتجلى في أعظم صورها في نزول آيات براءتها، وفي أنها مرضت بعد رجوعها غلى المدينة فلم تعلم بما يقال إلا قبل وقت يسير من نزول براءتها، ولو علمت من أول الأمر لكان الخطب أعظم .
10. مما ذكره ابن حجر رحمه الله : شؤم شدة الحرص على المال، فهذا ما قضى بتأخر عائشة عن الركب .
11. أدب صفوان رضي الله عنه ، فإنه استرجع ليوقظها ، ولم يناد عليها باسمها ، وما تكلم معها بكلمة واحدة .
12. اهتمامها بحجابها ، فعقب استيقاظها ورؤيتها لصفوان خمَّرتُ وجهها .
13. مشروعية تغطية الوجه .
14. الاسترجاع عند المصائب كما علمنا ربنا .
15. إغاثة المكروب والمنقطع ، وهذا من كريم الأخلاق ونبيل الصفات .
16. أهمية الساقة في الجيش .
17. تبرئة المرء لساحته لئلا يتهم ، فلقد قالت :" مَا يُكَلِّمُنِي كَلِمَةً" ، وفي الحديث :«هذه أمكم صفية».
18. الحلف من غير استحلاف ، في قولها :" وَوَاللَّهِ وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ".
19. مشي الأجنبي أمام المرأة كما فعل صفوان رضي الله عنه وموسى عليه السلام .
20. عداوة المنافقين وحقدهم على المسلمين .
21. البهتان جسر يقود المرء إلى ما فيه هلاكه " فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ فِي شَأْنِي" .
22. عدم إخبار المريض بما يزيد مرضه ويكدِّرُ صفوَ حياته .
23. كريم أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله لا سيما إذا اشتكت واحدة منهنّ " لَا أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي".
24. حياء الصحابيات " وَلَا نَخْرُجُ إِلَّا لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ" يعني لقضاء الحاجة .
25. قال في الفتح (8/479) :" وَفِيهِ أَنَّ الْمَرْأَة إِذَا خَرَجَتْ لِحَاجَةٍ تَسْتَصْحِب مَنْ يُؤْنِسُهَا أَوْ يَخْدِمهَا مِمَّنْ يُؤْمَن عَلَيْهَا" .
26. مكانة من شهد بدراً من الصحابة .
27. الذب عن عرض المسلم إذا سمع غيبة فيه " بِئْسَ مَا قُلْتِ! أَتَسُبِّينَ رَجُلًا قَدْ شَهِدَ بَدْرًا".
28. الدعاء على الشخص سب " تعس ... أتسبين؟" .
29. نصرة المظلوم ولو كان الظالم قريباً والمظلوم بعيداً ، فأم مسطح لم تحاب ولدها .
30. فضل أم مسطح رضي الله عنها .
31. " وَأَنَّ الرَّاجِح أَنَّ الْمُرَاد بِذَلِكَ –قول الله تعالى لأهل بدر :«افعلوا ما شئتم ...» - أَنَّ الذُّنُوب تَقَع مِنْهُمْ لَكِنَّهَا مَقْرُونَة بِالْمَغْفِرَةِ تَفْضِيلًا لَهُمْ عَلَى غَيْرهمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْمَشْهَد الْعَظِيم ، وَمَرْجُوحِيَّة الْقَوْل الْآخَر : أَنَّ الْمُرَاد أَنَّ اللَّه تَعَالَى عَصَمَهُمْ فَلَا يَقَع مِنْهُمْ ذَنْب" (الفتح: 8/480) .
تنبيه :
لما أشار الحافظ في الفتح إلى هذه الفائدة قال :" نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد بْن أَبِي جَمْرَة نَفَعَ اللَّه بِهِ". فأين نحن من هذه الأمانة العلمية ؟!
32. إذن المرأة من زوجها لخروجها " أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ".
33. تعزية المصاب بكلام يناسبه " يَا بُنَيَّةُ ، هَوِّنِي عَلَيْكِ ، فَوَاللَّهِ لَقَلَّمَا كَانَتْ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا وَلَهَا ضَرَائِرُ إِلَّا كَثَّرْنَ عَلَيْهَا".
34. قول سبحان الله عند التعجب " سُبْحَانَ اللَّهِ ! وَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا ؟".
35. " وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّة التَّسْبِيح عِنْدَ سَمَاع مَا يَعْتَقِد السَّامِع أَنَّهُ كَذِب ، وَتَوْجِيهه هُنَا أَنَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى يُنَزَّه أَنْ يَحْصُل لِقَرَابَةِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَدْنِيس ، فَيُشْرَع شُكْره بِالتَّنْزِيهِ فِي مِثْل هَذَا ، نَبَّهَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ" (الفتح : 8/480) .
36. خبر الواحد لا يفيد اليقين كما أشار الحافظ ، لقول عائشة : "لَأَسْتَيْقِنُ الْخَبَر مِنْ قِبَلِهِمَا"، ولا ينافي هذا أنه مقبول في العقائد والأحكام .
37. الإصلاح بين الزوجين بحمل المرأة على الصبر .
38. الاستشارة سنة نبوية .
39. استشارة الفاضل المفضول .
40. إذا استشير جماعة فقد يصيب المفضول ويخطئ الفاضل .
41. لا يلزم الأخذ بالاستشارة ، وهي غير ملزمة ، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يأخذ بقول علي رضي الله عنه.
42. استشارة الرجل للمرأة إذا أُمنت الفتنة .
43. فضل كل من دافع عن عائشة رضي الله عنه، كزينب ، وأسامة ، وأسيد ، وسعد بن معاذ ، وأبي أيوب وزوجه ، رضي الله عنهم أجمعين .
44. أَنَّ الْحَمِيَّة لِلَّهِ وَرَسُوله لَا تُذَمّ كما أشار الحافظ .
45. حب علي رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقد أشار بطلاقه لها؛ رعاية لجانبه .
46. ذب النبي صلى الله عليه وسلم عن عرض عائشة وصفوان .
47. نصرة الأنصار للرسول صلى الله عليه وسلم " أَنَا أَعْذِرُكَ مِنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ".
48. خطر الحمية .
49. كل بني آدم خطّاء ، ومنهم الصحابة " اجْتَهَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ" ، ولكن لهم من السوابق ما يمحو عنهم ذلك .
50. إطلاق الكذب على الخطأ .
51. التغليظ على من وقف مع أهل الباطل وإن حميةً .
52. من النفاق الإحجام عن نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم" فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ".
53. قد يعادي الولي ولياً وهما من أهل الجنة " فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ".
54. حرص الشيطان على زرع الخصومة بيننا " هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا".
55. إيقاف الخصومة بين المتخاصمين (الفتح) .
56. " وَفِيهِ أَنَّ مَنْ آذَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْل يُقْتَل؛ لِأَنَّ سَعْد بْن مُعَاذ أَطْلَقَ ذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" (الفتح :8/480) .
57. التشهد في مقدمة الكلام " َتَشَهَّدَ".
58. لابد من ظهور براءة البريء ولو بعد حين " فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ".
59. مشروعية التوبة .
60. التوبة تجب ما قبلها « وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبٍ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ».
61. أهمية الاعتراف بالذنب .
62. لا يعترف الإنسان على نفسه بما لم يفعله وإن كذبه الناس (الفتح) .
63. عدم محاباة النبي صلى الله عليه وسلم لأهله :«إن كنت ألممت بذنب...».
64. قَوْل كَذَا وَكَذَا يُكَنَّى بِهَا عَنْ الْأَحْوَال كَمَا يُكَنَّى بِهَا عَنْ الْأَعْدَاد وَلَا تَخْتَصّ بِالْأَعْدَادِ (الفتح).
65. مشروعية الوكالة " أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
66. الصبر مفتاح الفرج .
67. الاستعانة بالله عند حلول المصائب "والله المستعان".
68. إحسان الظن بالله " أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِي".
69. من أحسن الظن كان الله عند حسن ظنه " فَوَاللَّهِ مَا رَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسَهُ وَلَا خَرَجَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ أَحَدٌ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
70. رؤيا الأنبياء حق ووحي " كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا".
71. من مهمات الآداب : ازدراء الإنسان لنفسه وهضمه لها " وَلَشَأْنِي كَانَ أَحْقَرَ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى" ومن ازدرى نفسه كان عند الله فوق ذلك ، ومن ابتلي بالعجب كان وضيعاً حقيراً ، ومن درر بكر بن عبد الله المزني رحمه الله قوله يوم عرفة :" لولا أنا فيهم لقلت قد غفر الله لهم ".
72. تبشير المسلم «أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ» .
73. أن الضحك مباح إذا وجد ما يقتضيه .
74. إسناد النعمة والخير والفضل إلى الله " هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي".
75. " إِدْلَال الْمَرْأَة عَلَى زَوْجهَا وَأَبَوَيْهَا" (الفتح) .
76. أنّ سبب النزول قد يكون حادثة كما الأمر هنا .
77. إنّ مع العسر يسراً ، ومع الشدة فرجاً ، ومن الكرب يجعل الله مخرجاً .
78. المؤمن مصاب مبتلى .
79. خطر الشائعات .
80. خطأ اعتقاد بعض الناس : أنه ما من شائعة إلا وفيها نسبة من الصحة، فحادثة الإفك إفك كلها من ألفها إلى يائها .
81. كريم أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، فقد صلَّى صلاة الجنازة على ابن سلول وكفنه في ثيابه وهو الذي تولى كبر حديث الإفك .
82. أثر الورع في السلامة من الزيغ ، فزينب عصمها الله بالورع كما قالت عائشة ، رضي الله عنهما .
83. مكانة الصديقة عائشة رضي الله عنها ، ويكفي أنّ الله لما ذكر مقالة الناس فيها سبّح نفسه :{ وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور : 16] .
84. دفاع الله عن العفيفين ، فدافع الله عن عائشة ، ومريم ، ويوسف عليهم السلام ، وأجرى كرامةً على يد جريج الراهب .
85. أنّ العفة من صفات المؤمنين ، فدفاع الله عنهم دليل إيمانهم :{ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُو}[الحج:38] .
86. لا يمكن أن تزني زوجة نبي ، وأما قول الله تعالى :{ فخانتاهم} عن امرأة نوح ولوط عليهما السلام أي بمخالفة دينهما ، وكانت امرأة نوح تسبه، وامرأة لوط تدل قومها على أضيافه، فتلك خيانتهما . وأما قول الله تعالى لنوح عليه السلام :{ إنه ليس من أهلك} أي : الناجين .
87. لا يقسم الإنسان في عدم إتيان الخير :{ ولا يأتل ...}
88. أنّ من حلف على أمر وكان الخير في غيره كفَّر عن يمينه وفعل الخير ، كما أرشد إليه ربنا في كتابه ، ورسولنا صلى الله عليه وسلم .
89. ظلم ذوي القربي أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند ، قال أبو بكر رضي الله عنه :" وَاللَّهِ لَا أُنْفِقُ عَلَيْهِ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ".
90. أهمية العفو في ديننا ، مسطح كالعم لعائشة رضي الله عنهما ، ابن خالة أبيها ، لو كان المنافقون على حق – أقول (لو) من باب :{ لو كان فيهما آلهة...} - لما كان عليه أن يتكلم بهذا ؛ لأنها عرضه، فكيف وقد حكم الله بكذبهم ، مما جعل أبا بكر رضي الله عنه يقسم بقطع حبل المعروف الذي كان يصله به ، ومع ذلك كله { أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} ؟
91. من عفا عن الناس غفر الله تعالى له ذنبه .
92. انقياد الصديق وخضوعه لأمر الله " فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَقَالَ : لَا أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا".
93. وفاء عائشة رضي الله عنها " قَالَ عُرْوَةُ : كَانَتْ عَائِشَةُ تَكْرَهُ أَنْ يُسَبَّ عِنْدَهَا حَسَّانُ وَتَقُولُ : فَإِنَّهُ قَالَ:فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ".
94. الحث على صلة الرحم ببذل المال .
95. أنّ من شكّ في براءة هذه الطاهرة النقية المبرأة فلا شك في كفره؛ لأنه كذّب القرآن .
96. لا يحكم القاضي بعلمه؛ ولذا لم يقم الحد على رأس النفاق.
97. أن القاذف يحد .
98. عدم المحاباة في الحدود، ومن أفضل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
99. أنّ المرء يتعلم من أخطائه ، فعائشة رضي الله عنه خرجت لقضاء حاجتها وكان الأولى أن تعلم بذلك لئلا يغادروا المكان دونها "وَقَدْ وَقَعَ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي ضَيَاع الْعِقْد أَيْضًا أَنَّهَا أَعْلَمَتْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَمْرِهِ ، فَأَقَامَ بِالنَّاسِ عَلَى غَيْر مَاء حَتَّى وَجَدَتْهُ ، وَنَزَلَتْ آيَة التَّيَمُّم بِسَبَبِ ذَلِكَ ، فَظَهَرَ تَفَاوُت حَال مَنْ جَرَّبَ الشَّيْء وَمَنْ لَمْ يُجَرِّبهُ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ إِيضَاحه فِي كِتَاب التَّيَمُّم" (الفتح : 8/460) .
100. قد يكون الخير فيما نكرهه {بل هو خير لكم} ، والخيرية هنا تتبدى في عشرة جوانب :
أ‌- براءة عائشة رضي الله عنه تتلى في القرآن إلى يوم القيامة .
ب‌- ما أورثته الحادثة من تعلق قلبها بالله .
ت‌- ومن امتلاء قلبها بعبودية الصبر .
ث‌- ومن تثقيل لميزان حسناتها .
ج‌- ومن حصولها على حسنات غيرها ممن تكلم فيها .
ح‌- ومن تكفير لسيئاتها .
خ‌- وبيان لعظيم مكانتها .
د‌- وقد عُرف المؤمنون من المنافقين .
ذ‌- وعرف قوي الإيمان من غيره .
ر‌- واشتملت آيات الحادثة على مهمات الآداب للجماعة المؤمنة .
101. تحريم الظن .
102. براءة عائشة وبيان فضلها يقود إلى الحديث عن فضل صفوان ؛ لأن لتهمة تعلقت بهما ، وصفوان رضي الله عنه لم يكن حصوراً ، فهو الذي اشتكته امرأته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه يجبرها على الإفطار إذا صامت ، فلما سأله أخبره بأنه شاب لا يصبر، وهذا أظهر في بيان فضله . وقوله عندما سمع بأمر الإفك : "وَاللَّهِ مَا أَصَبْت اِمْرَأَة قَطُّ حَلَالًا وَلَا حَرَامًا " لا يعارض ذلك ؛ فهذا قبل الزواج .
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد .

صيد الفوائد هنا :