تأكد قبل أن تنشر....

"من سلك طريقا يبتغي فيه علما ، سلك الله به طريقا إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم ، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ، ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد ، كفضل القمر على سائر الكواكب ، إن العلماء ورثة الأنبياء ، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ، ولا درهما ، إنما ورثوا العلم ، فمن أخذ به فقد أخذ بحظ وافر"
الراوي: أبو الدرداء المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2682-خلاصة حكم المحدث: صحيح

الثلاثاء، 15 سبتمبر 2015

(67)دروس وعبر من غزوة أحد-2

 1ذو الحجة 1436 هـ

(2) دروس وعبر من غزوة أحد

نتابع معا مواقف وعبر من الغزوة وبطولات الصحابة الكرام رضوان الله عليهم:
 
وهب بن قابوس المزني:

أقبل ومعه ابن أخيه الحارث بن عقبة بن قابوس، بغنم لهما من جبل مزينة، فوجدا المدينة خلوًا فسألا: أين الناس؟ فقالوا: بأحد، خرج رسول الله - - صلى الله عليه وسلم -- يقاتل المشركين من قريش،

 فقالا: لا نبتغي أثرًا بعد عين فخرجا حتى أتيا النبي - - صلى الله عليه وسلم -- بأحد فيجدان القوم يقتتلون والدولة لرسول الله - - صلى الله عليه وسلم -- وأصحابه، 

فأغارا مع المسلمين في النهب، وجاءت الخيل من وراءهم، خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل، فاختلطوا، فقاتلا أشد القتال، فانفرقت فرقة من المشركين فقال رسول الله - - صلى الله عليه وسلم --: «من لهذه الفرقة؟ » فقال وهب بن قابوس: أنا يا رسول الله، فقام فرماهم بالنبل حتى انصرفوا ثم رجع. فانفرقت فرقة أخرى فقال رسول الله - - صلى الله عليه وسلم --: «من لهذه الكتيبة؟ » فقال المزني: أنا يا رسول الله، فقام فذبها بالسيف حتى ولوا، ثم رجع المزني، ثم طلعت كتيبة أخرى فقال: «من يقوم لهؤلاء؟ » فقال المزني: أنا يا رسول الله، فقال: «قم، وأبشر بالجنة» فقام المزني مسرورًا يقول: والله لا أقيل ولا أستقيل، فقام فجعل يدخل فيهم فيضرب بالسيف، ورسول الله - - صلى الله عليه وسلم -- ينظر إلى المسلمين، حتى خرج من أقصاهم ورسول الله - - صلى الله عليه وسلم -- يقول: «اللهم ارحمه» ثم يرجع فيهم، فما زال كذلك وهم محدقون به، حتى اشتملت عليه أسيافهم ورماحهم فقتلوه، فوجد به يومئذ عشرون طعنة برمح، كلها قد خلصت إلى مقتل، ومُثل به أقبح المثلة يومئذ، ثم قام ابن أخيه فقاتل قتاله حتى قتل، فكان عمر بن الخطاب يقول: إن أحب ميتة أموت لما مات عليها المزني.
(1/12)

وكان بلال بن الحارث المزني يحدث يقول: شهدنا القادسية مع سعد بن أبي وقاص، فلما فتح الله علينا وقسمت بيننا غنائمنا، فأسقط فتى من آل قابوس من مزينة، فجئت سعدًا حين فرغ من نومه فقال: بلال؟ قلت: بلال، قال: مرحبًا بك، من هذا معك؟ قلت: رجل من قومي من آل قابوس، قال سعد: ما أنت يا فتى من المزني الذي قتل يوم أحد؟ قال: ابن أخيه، قال سعد: مرحبًا وأهلاً وأنعم الله بك عينًا، ذلك الرجل شهدت منه يوم أحد مشهدًا ما شهدته من أحد، لقد رأيتنا وقد أحدق المشركون بنا من كل ناحية ورسول الله - - صلى الله عليه وسلم -- وسطنا، والكتائب تطلع من كل ناحية، وإن رسول الله - - صلى الله عليه وسلم -- ليرمي ببصره في الناس يتوسمهم يقول: «من لهذه الكتيبة؟ » كل ذلك يقول المزني: أنا يا رسول الله، كل ذلك يرده فما أنسى آخر مرة قامها فقال رسول الله - - صلى الله عليه وسلم --: «قم وأبشر بالجنة» قال سعد: وقمت على أثره يعلم الله أني أطلب مثل ما يطلب يومئذ من الشهادة، فخضنا حومتهم حتى رجعنا فيهم الثانية، وأصابوه - رحمه الله - وودت والله أني كنت أصبت يومئذ معه، ولكن أجلي استأخر، ثم دعا سعد من ساعته بسهمه فأعطاه وفضله، وقال: اختَرْ في المقام عندنا أو الرجوع إلى أهلك، فقال بلال: إنه يستحب الرجوع، فرجعنا.
(1/13)

وقال سعد: أشهد لرأيت رسول الله - - صلى الله عليه وسلم -- واقفًا عليه وهو مقتول، وهو يقول: «رضي الله عنك فإني عنك راضٍ»، ثم رأيت رسول الله - - صلى الله عليه وسلم -- قام على قدميه وقد نال النبي - - صلى الله عليه وسلم -- من الجراح ما ناله، وإني لأعلم أن القيام ليشق عليه على قبره حتى وُضع في لحده، وعليه بردة لها أعلام خضر، فمد رسول الله - - صلى الله عليه وسلم -- البردة على رأسه فخمره، وأدركه فيها طولا، وبلغت نصف ساقيه، وأمرنا فجمعنا الحرمل فجعلناه على رجليه، وهو في لحده، ثم انصرف، فما حال أموت عليها أحبُّ إليَّ من أن ألقى الله - تعالى -على حال المزني
وهكذا يفعل الإيمان بأصحابه فهذا وهب المزني وابن أخيه تركا الأغنام بالمدينة والتحقا بصفوف المسلمين وحرصا على نيل الشهادة، فأكرمهما الله بها،
وقد كانت تلك الملحمة التي سطرها المزني محفورة في ذاكرة الصحابة، فهذا سعد بن أبي وقاص يتذكرها بعد مرور ثلاث عشرة سنة تقريبا على غزوة أحد لمجرد سماع اسم رجل من عشيرة المزني ويتمنى أن يموت ويلقى الله على مثل حالة المزني.


منزلة الشهداء:

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لما أصيب إخوانكم بأحد، جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر، ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش, فلما وجدوا طيب مشربهم ومأكلهم وحسن مقيلهم، قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله بنا؛ لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب، فقال عز وجل: أنا أبلغهم عنكم» فأنزل الله عز وجل على رسوله - صلى الله عليه وسلم -هذه الآيات(, قال تعالى: ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ )(1).

وقد جاء في تفسير الآيات السابقة ما رواه الواحدي عن سعيد بن جبير أنه قال: لما أصيب حمزة بن عبد المطلب، ومصعب بن عمير يوم أحد، ورأوا ما رزقوا من الخير قالوا: ليت إخواننا يعلمون ما أصابنا من الخير كي يزدادوا في الجهاد رغبة, فقال الله تعالى: أنا أبلغهم عنكم، فأنزل الله تعالى:
( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ )
إلى قوله: ( وَأَنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ).
__________
(1) - [آل عمران: 169-171]

وروى مسلم بسنده عن مسروق، قال: سألنا عبد الله بن مسعود عن هذه الآية: ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ). قال: أما إنا سألنا عن ذلك، فقال: «أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة، حيث شاءت, ثم تأوي إلى تلك القناديل, فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال: هل تشتهون شيئًا؟ قالوا: أي شيء نشتهي؟! ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا, ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا، قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نُقتل في سبيلك مرة أخرى, فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا».

4- سنة الله في الصراع بين الحق والباطل:
وفي غزوة أحد تأكيد لسنة الله في الصراع بين الحق والباطل، والهدى والضلال، فقد جرت سنة الله في رسله وأتباعهم أن تكون الحرب سجالاً بينهم وبين أعدائهم، فيدالوا مرة ويدال عليهم أخرى، ثم تكون لهم العاقبة في النهاية، ولئن انتفش الباطل يوماً وكان له صولات وجولات، إلا أن العاقبة للمتقين، والغلبة للمؤمنين، فدولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة، سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا.
والجنة عزيزة غالية لا تُنال إلا على جسر من المشاق والمتاعب، والنصر الرخيص السهل لا يدوم، ولا يدرك الناس قيمته، ولذلك قال الله:
{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ }(1).
آل عمران

5- لا بد من الأخذ بالأسباب:
لا بد أيضاً من الأخذ بأسباب النصر المادية والمعنوية مع التوكل على الله والاعتماد عليه، فقد ظاهر النبي - - صلى الله عليه وسلم -- بين درعين، ولبس لأْمَة الحرب، وكافح معه الصحابة، وقاتل عنه جبريل وميكائيل أشد القتال، رغم أن الله عصمه من القتل.

6- تمحيص المؤمنين :

ومن فوائد غزوة أحد تمحيص المؤمنين وتمييزهم عن المنافقين، ومحق الكافرين باستحقاهم غضب الله وعقابه، وقد جمع الله ذلك كله في قوله:

{ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}(1) (آل عمران 139 - 140)
 إلى غير ذلك من الحكم والفوائد الكثيرة التي لا يتسع المقام لذكرها.

** التضحية من أجل الدين:
إن هذا الدين وصل إلينا بعد كفاح مرير من الصحابة والأسلاف، ذاقوا فيه مرارة المصائب والمحن:
أنس بن النضر يصاب في هذه الغزوة ببضع وثمانين جراحة، ثم مثّل به بعدها، فلم يعرفه أحد سوى أخته عرفته ببنانه.
وفي سعد بن الربيع سبعون طعنة.

فماذا قدمنا لديننا؟؟ وللصحابة الكرام الصُحبة والسبق والإقدام، تقطعت منهم الأشلاء، وتمزقت الأجساد، وترمل النساء، قدَّموا أرواحهم فداء لهذا الدين، حتى وصل إلينا كاملاً متمّماً، فاقدر لهم قدرهم، واشكر لهم سعيهم، وترض عنهم، فقد أحبهم ربهم، - رضي الله عنهم وأرضاهم -.

** العاقبة للمتقين:
للحق جولة، وللباطل صولة، والعاقبة للتقوى، فلا تيأس من إصلاح المجتمع، ولا تقنط من هدايته، فصَبَر النبي على الأذى والجراح، حتى دخل الناس أفواجاً في دين الله، إن عواقب الأمور كلها بيد الله، فامض في الدعوة، وداوم على الدعاء، وهداية البشر بيد خالق البشر.
أبو سفيان في أُحُد يقود المشركين، وشعاره:"اعلُ هُبل"، وفي فتح مكة يقول:"لا إله إلا الله".ووحشي يقتل حمزة، ثم يُسلم ويقتل مُدعي النبوة مسيلمة الكذاب.

فاحذر على نفسك التقلب، ((فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، يقلبها كيف يشاء)).واسأله دوماً دوام الثبات، والعبد وإن استغرق في العصيان، فالتوبة تحط الأوزار وإن بلغت العنان.

خالد بن الوليد يقود خيَّالة الكفر، وقُتِل على يديه فضلاء الصحابة، ولما شرح الله صدره للإسلام، أتى يبايع النبي،
 وقال: يا رسول الله، إني أشترط أن تُغفَر زلتي، فقال: ((يا خالد، أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله، وأن التوبة تجُبُّ ما قبلها)).

فأنقذ نفسك من وحل الأوزار، وأقبل على ربك تائباً من الآثام، فالحسنات يذهبن السيئات، ولا تستنكف عن التمسك بهذا الدين، فحوله سالت الدماء.

** الابتلاء بذوي القربى:
المرء قد يُبتلى بذوي القربى والأرحام، فاصبر على ما تلاقيه منهم، فأقارب النبي تركوا أوطانهم وأموالهم، وقدموا إلى المدينة وقطعوا مسافة أربعمائة كيلومتر أو أكثر لقتل النبي، وفعلوا ما لم يفعله غالب الكفار، من تمثيلهم بالقتلى، مع أنهم بنو عمه، وفي الفتح عفا عنهم وصفح، وقال: ((لا تثريب عليكم اذهبوا فأنتم الطلقاء)).
فاتخذ النبي قدوة لك في الحلم والعفو، وصل رحمك، وغض الطرف عما يسوؤك منهم.

** ولا تنازعوا:
في الفُرقة والنزاع تبعثَر الجهود، وفي الألفة والاتفاق صفاء القلوب، فاحذر من تفرق الكلمة والاختلاف في الرأي، فهما الهزيمة، ( وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ)( [الأنفال:46]).

** الأنبياء عبيد مخلوقون :
الأنبياء عبيد مخلوقون، يعتريهم ما يعتري البشر، لا يُرفعون فوق منزلة العبودية، ولا يحَطُّ من شأنهم، والنبي ظاهر بين درعين، ولبس لأْمَة الحرب، وكافح معه الصحابة، وقاتل عنه جبريل وميكائيل أشد القتال، ومع هذا شُجَّ في وجهه، وكُسرت رَباعيته، والأمر لله من قبل ومن بعد، وهو سبحانه وحده النافع الضار، ولو كان يملك لنفسه شيئاً ما سال الدم منه.

** العرفان لمن خدم هذا الدين.

ومن مُروآت الأفعال العرفان لمن خدم الدين، ومن جميل الخلال الوفاء للأصحاب، ودماء شهداء أحد بقيت في نفس الرسول إلى السنة التي مات فيها، فصلى على قتلى أُحُد بعد ثمان سنين، كالمودع لهم.
فأجلّ نبلاء هذا الدين، واحفظ ودَّ خِلاَّنك، وارع حق صحبتهم، واحفظ سرهم.

** حب الصحابة لنبيهم- صلى الله عليه وسلم -:
طوق المشركون رسول الله -- صلى الله عليه وسلم -- ومن معه وكانوا تسعة فقتل سبعة منهم بعد قتال عنيف. ولم يبق معه غير سعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبد الله.
فطمعوا في القضاء على رسول الله -- صلى الله عليه وسلم -- رماه عتبة بن أبي وقاص بالحجارة فوقع لشقه، وأصيبت رباعيته اليمنى السفلى، وكلمت شفته السفلى، وتقدم إليه عبد الله الزهري فشجه في جبهته، وجاء عبد الله بن قمئة فضرب على عاتقه بالسيف ضربة عنيفة شكا لأجلها أكثر من شهر، وضربه بأبي هو وأمي ضربة أخرى عنيفة حتى دخلت حلقتان من حلق المقفر في وجنته، فقال عليه الصلاة و السلام وهو يسلت الدم عن وجهه: ((كيف يفلح قوم شجوا وجه نبيهم وكسروا رباعيته وهو يدعوهم إلى الله، اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)).
واستبسل سعد وطلحة في الدفاع عن رسول الله -- صلى الله عليه وسلم -- فقد نثل رسول الله -- صلى الله عليه وسلم -- كنانته لسعد بن أبي وقاص وقال: ارم فداك أبي وأمي، وأما طلحة فقد قاتل حتى شلت يده، وكان أبو بكر -رضي الله عنه - إذا ذكر يوم أحد قال: ذلك اليوم كله لطلحة. وروى الترمذي أن النبي -- صلى الله عليه وسلم -- قال فيه يومئذ: ((من ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله)).
 الراوي : جابر بن عبدالله | المحدث : الألباني | المصدر : السلسلة الصحيحة
الصفحة أو الرقم: 126 | خلاصة حكم المحدث : صحيح

وخلال هذا الموقف العصيب تسارع المسلمون إلى رسول الله -- صلى الله عليه وسلم -- وأقاموا حوله سياجًا من أجسادهم وسلاحهم وبالغوا في الدفاع عنه، قام أبو طلحة على رسول الله - - صلى الله عليه وسلم -- يسور نفسه بين يدي رسول الله - - صلى الله عليه وسلم -- ويرفع صدره ليقيه عن سهام العدو، وكان راميًا يرمي فكلما رمى أشرف رسول الله - - صلى الله عليه وسلم -- ليرى موضع سهمه، فيقول له أبو طلحة: بأبي أنت وأمي لا تشرف يصبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك،
 وقام أبو دجانة أمام رسول الله - - صلى الله عليه وسلم -- فترس عليه ظهره والنبل يقع عليه، وهو لا يتحرك، وامتص مالك بن سنان الدم عن وجنته وأنقاه فقال: مجه. فقال: والله لا أمجه أبدًا، ثم أدبر يقاتل، فقال النبي -- صلى الله عليه وسلم -- : ((من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا)) فقتل شهيدًا.
وقاتلت أم عمارة حول رسول الله -- صلى الله عليه وسلم -- فضربها ابن قمئه على عاتقها ضربة تركت جرحًا أجوف، وضربته فنجا بدرعه، وبقيت تقاتل حتى أصابها اثنا عشر جرحًا.
وقام النبي - صلى الله عليه وسلم -فعرفه كعب بن مالك فنادى بأعلى صوته: يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله - - صلى الله عليه وسلم -- ، فأشار إليه أن اصمت لئلا يعرف المشركون موضعه، فلاذ إليه المسلمون فأخذ بالانسحاب المنظم إلى شعب الجبل، وأثناء القتال كان النعاس يأخذ المسلمين أمنة من الله، وفي أثناء الانسحاب عرضت لرسول الله - - صلى الله عليه وسلم -- صخرة من الجبل فنهض إليها ليعلوها فلم يستطع، فجلس تحته طلحة بين عبيد الله فنهض حتى استوى عليها وقال: ((أوجب طلحة)) أي الجنة.
** الأمور بخواتيمها:
إن الأمور بخواتيمها، وقد وقع في غزوة أحد ما يحقق هذه القاعدة المهمة في هذا الدين، فقد وقع حادثان يؤكدان هذا الأمر، وفيهما عظة وعبرة لكل مسلم متعظ ومعتبر.

الأصيرم - رضي الله عنه-
واسمه عمرو بن ثابت بن وقش، عرض عليه الإسلام فلم يسلم، وروى قصته أبو هريرة - رضي الله عنه- : أن الأصيرم كان يأبى الإسلام على قومه، فجاء ذات يوم ورسول الله - - صلى الله عليه وسلم -- وأصحابه بأُحد فقال: أين سعد بن معاذ؟ فقيل: بأحد، فقال: أين بنو أخيه؟ قيل: بأحد: فسأل عن قومه فقيل: بأحد، فبدا له الإسلام فأسلم، وأخذ سيفه، ورمحه، وأخذ لأمته، وركب فرسه فعدا حتى دخل في عرض الناس، فلما رآه المسلمون قالوا: إليك عنا يا عمرو، قال: إني قد آمنت، فقاتل حتى أثخنته الجراحة، فبينما رجال من بني عبد الأشهل يلتمسون قتلاهم في المعركة إذ هم به، فقالوا: والله إن هذا الأصيرم، ما جاء به؟ لقد تركناه وإنه لمنكر لهذا الحديث، فسألوه: ما جاء بك؟ أحدب على قومك أم رغبة في الإسلام؟ فقال: بل رغبة في الإسلام، آمنت بالله - تعالى -ورسوله، وأسلمت ثم أخذت سيفي فغدوت مع رسول الله - - صلى الله عليه وسلم --، ثم قاتلت حتى أصابني ما أصابني، وإن مت فأموالي إلى محمد يضعها حيث شاء، فذكروه لرسول الله - - صلى الله عليه وسلم -- فقال: «إنه من أهل الجنة». وقيل: مات فدخل الجنة وما صلى من صلاة، فقال النبي - - صلى الله عليه وسلم --: «عَمِل قليلاً وأُجر» وكان أبو هريرة يقول: حدثوني عن رجل دخل الجنة ولم يصل قط، فإذا لم يعرفه الناس سألوه من هو؟ قال: هو أصيرم بن عبد الأشهل.

مخيريق:
لما كانت غزوة أحد وخرج رسول الله - - صلى الله عليه وسلم -- يقاتل المشركين، جمع مخيرقٌ قومه اليهود وقال لهم: يا معشر يهود، والله لقد علمتم أن نصر محمد عليكم لحق، قالوا: إن اليوم يوم السبت، قال: لا سبت لكم. فأخذ سيفه وعدته، وقال: إن أصبت فمالي لمحمد يصنع فيه ما شاء، ثم غدا إلى رسول الله - - صلى الله عليه وسلم -- فقاتل معه حتى قُتل، فقال رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - -
مخيريق خير يهود :.

15-إنما الأعمال بالنيات:

كان ممن قاتل مع المسلمين يوم أحد رجل يدعى قزمان، كان يعرف بالشجاعة، وكان رسول الله - - صلى الله عليه وسلم -- يقول إذا ذكر له: إنه من أهل النار،

وفي هذا الخبر بيان لمكان النية في الجهاد، وإنه من قاتل حمية عن قومه أو ليقال شجاع ولم تكن أعماله لله - تعالى - لا يقبل الله منه.

** قل هو من عند أنفسكم :
((أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))(1)
لقد نزلت هذه الآية الكريمة لكي تُشخّص الداء وتقّوم حال الجماعة المسلمة بعد مخالفة الرماة أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونزولهم لأخذ الغنائم وترك الجبل للمشركين كي يقلبوا النتائج ويحولوا سير المعركة لصالحهم , وقد كان النصر حليف المسلمين , كيف لا وقد رأى بعض الصحابة خلاخيل نساء المشركين وهن يهربن من هول المعركة .
عندها قال ابن مسعود رضي الله عنه قولته المشهورة التي ذكرناها آنفاً: ما كنت اظن أن أحد من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - يريد الدنيا حتى نزل قول الله عز وجل " { مِنْكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُم مَّن يُرِيدُ الآَخِرَةَ }

- إن المتأمل في هذه الآية يجد الصراحة والوضوح في تحديد الخطأ الذي وقعت فيه الأمة الإسلامية بدون مجاملة أو تعميم " قل هو من عند أنفسكم " .
- إنها الغنائم التي طالما حذر منها الحبيب - صلى الله عليه وسلم - , إنها الغنائم حينما تقفز على قائمة الأولويات والمهمات في حياة الدعاة والمصلحين فكذلك تنقلب قائمة النتائج والانتصارات .
- واليوم إذا أرادت الأمة الإسلامية وعلى رأسها الدعاة والمصلحون الانتصار والتمكين فلا بد من تحديد الخلل بصراحة ووضوح ثم العمل الجاد على اٌصلاح والتغيير لا المراوغة والتبرير

** من دلائل النبوة:

أصيبت عين قتادة - رضي الله عنه- حتى سقطت على وجنتيه فردها رسول الله - - صلى الله عليه وسلم -- بيده، فكانت أحسن عينيه وأحدَّهما، وأصبحت لا ترمد إذا رمدت الأخرى،
 ** تذكير المؤمنين بالسنن ودعوتهم للعلو الإيماني:
قال تعالى: ( قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ? هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ ? وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ )(1). [آل عمران: 137-139]
إن المتأمل في هذه الآيات الكريمة يجد أن الله سبحانه وتعالى لم يترك المسلمين لوساوس الشيطان في محنة غزوة بدر، بل خاطبهم بهذه الآيات التي بعث بها الأمل في قلوبهم، وأرشدهم إلى ما يقويهم ويثبتهم، ويمسح بتوجيهاته دموعهم ويخفف عنهم آلامهم)

قال القرطبي: هو تسلية من الله تعالى للمؤمنين.
ففي الآيات السابقة دعوة للتأمل في مصير الأمم السابقة التي كذبت بدعوة الله تعالى، وكيف جرت فيهم سنته على حسب عادته, وهي الإهلاك والدمار بسبب كفرهم وظلمهم وفسوقهم على أمره. وجاء التعبير بلفظ كيف الدال على الاستفهام، المقصود به تصوير حالة هؤلاء المكذبين التي تدعو إلى التعجب، وتثير الاستغراب، وتغرس الاعتبار والاتعاظ في قلوب المؤمنين؛ لأن هؤلاء المكذبين مكن الله لهم في الأرض ومنحهم الكثير من نعمه، ولكنهم لم يشكروه عليها، فأهلكهم بسبب طغيانهم


وفي قوله تعالى: ( وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ ) دعاهم إلى ترك الضعف، ومحاربة الجبن، والتخلص من الوهن، وعدم الحزن؛ لأنهم هم الأعلون بسبب إيمانهم.

** كيفية معالجة الأخطاء:
ترفق القرآن الكريم وهو يعقب على ما أصاب المسلمين في أحد على عكس ما نزل في بدر من آيات، فكان أسلوب القرآن الكريم في محاسبة المنتصر على أخطائه أشد من حساب المنكسر, فقال في غزوة بدر:
( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الآَخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) ([الأنفال: 67، 68]).
وقال في أحد: ( وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إذا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنْكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُم مَّن يُرِيدُ الآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) [آل عمران: 152]
وفي هذا حكمة عملية وتربية قرآنية يحسن أن يلتزمها أهل التربية والقائمون على التوجيه.

** ضرب المثل بالمجاهدين السابقين:

قال تعالى: ( وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ.وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ? فَآتَاهُمُ اللهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآَخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )(1)

قال ابن كثير: عاتب الله بهذه الآيات والتي قبلها من انهزم يوم أحد وتركوا القتال لما سمعوا الصائح يصيح بأن محمدًا قد قتل, فعذَلهم الله على فرارهم وتركهم القتال.
__________
(1) - [آل عمران: 146-148].

وضرب الله لهم مثلا بإخوانهم المجاهدين السابقين، وهم جماعة كثيرة، ساروا وراء أنبيائهم في درب الجهاد في سبيل الله، فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا عن الجهاد بعد الذي أصابهم منه، وما استكانوا للعدو، بل ظلوا صابرين ثابتين في جهادهم،
وفي هذا تعريض بالمسلمين الذين أصابهم الوهن والانكسار عند الإرجاف بقتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبضعفهم عند ذلك عن مجاهدة المشركين واستكانتهم لهم، وضرب الله مثلا للمؤمنين لتثبيتهم بأولئك الربانيين وبما قالوه: ( وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ )(1)
وهذا القول وهو إضافة الذنوب والإسراف إلى نفوسهم -مع كونهم ربانيين- هضم لها واعتراف منهم بالتقصير ودعاؤهم بالاستغفار من ذنوبهم مقدم على طلبهم تثبيت أقدامهم أمام العدو، ليكون طلبهم إلى ربهم النصر عن زكاة وطهارة وخضوع،
 وفي هذا تعليم للمسلمين إلى أهمية التضرع، والاستغفار وتحقيق التوبة. وتظهر أهمية ذلك في إنزال النصر على الأعداء ( فَآتَاهُمُ اللهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآَخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) أي وبذلك نالوا ثواب الدارين: النصر والغنيمة في الدنيا، والثواب الحسن في الآخرة، جزاء إحسانهم في أدب الدعاء والتوجه إلى الله, وإحسانهم في موقف الجهاد, وكانوا بذلك مثلا يضربه الله للمسلمين المجاهدين،
وخص الله تعالى ثواب الآخرة بالحسن دلالة على فضله وتقدمه على ثواب الدنيا وأنه هو المعتمد عنده).
__________
(1) - [آل عمران: 147]
- التعلق والارتباط بالدين:
قال ابن كثير: لما انهزم من انهزم من المسلمين يوم أحد، وقتل من قتل منهم، نادى الشيطان، ألا إن محمدًا قد قتل، ورجع ابن قميئة إلى المشركين فقال لهم: قتلت محمدًا، وإنما كان قد ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فشجه في رأسه، فوقع ذلك في قلوب كثير من الناس، واعتقدوا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قُتل، وجوزوا عليه ذلك، كما قد قص الله عن كثير من الأنبياء عليهم السلام، فحصل ضعف ووهن وتأخر، عن القتال،
ففي ذلك أنزل الله:
( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَّضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) (1)أي له أسوة بهم في الرسالة وفي جواز القتل عليه.
وقد جاء في تفسير الآية السابقة، أن الرسل ليست باقية في أقوامها أبدًا, فكل نفس ذائقة الموت، ومهمة الرسول تبليغ ما أرسل به، وقد فعل، وليس من لوازم رسالته البقاء دائما مع قومه، فلا خلود لأحد في هذه الدنيا، ثم قال تعالى منكرًا على من حصل له ضعف لموت النبي - صلى الله عليه وسلم - أو قتله، فقال تعالى: ( أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ) أي رجعتم القهقرى، وقعدتم عن الجهاد، والانقلاب على الأعقاب يعني الإدبار عما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم به من أمر الجهاد ومتطلباته: ( وَمَن يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَّضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) الذين لم ينقلبوا أو ظلوا ثابتين على دينهم متبعين رسوله حيًا أو ميتًا).
__________
(1) - [آل عمران: 144

لقد كان من أسباب البلاء والمصائب التي حدثت للمسلمين يوم أحد أنهم ربطوا إيمانهم وعقيدتهم ودعوتهم إلى الله لإعلاء كلمته بشخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فهذا الربط بين عقيدة الإيمان بالله ربًا معبودًا وحده وبين بقاء شخص النبي - صلى الله عليه وسلم - خالدًا فيهم خالطه الحب المغلوب بالعاطفة، الربط بين الرسالة الخالدة وبين الرسول - صلى الله عليه وسلم - البشر الذي يلحقه الموت كان من أسباب ما نال الصحابة -رضي الله عنهم- من الفوضى والدهشة والاستغراب، ومتابعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - أساس وجوب التأسي به في الصبر على المكاره، والعمل الدائب على نشر الرسالة، وتبليغ الدعوة ونصرة الحق، وهذا التأسي هو الجانب الأغرّ من جوانب منهج رسالة الإسلام؛ لأنه الدعامة الأولى في بناء مسيرة الدعوة لإعلاء كلمة الله ونشرها في آفاق الأرض، وعدم ربط بقاء الدين واستمرار الجهاد في سبيله ببقاء شخص النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الدنيا.

قال ابن القيم: إن غزوة أحد كانت مقدمة وإرهاصًا بين يدي موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فثبتهم ووبخهم على انقلابهم على أعقابهم إن مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أو قتل، بل الواجب له عليهم أن يثبتوا على دينه وتوحيده ويموتوا عليه، أو يُقتلوا, فإنهم إنما يعبدون رب محمد، وهو لا يموت فلو مات محمد أو قتل، لا ينبغي لهم أن يصرفهم ذلك عن دينهم، وما جاء به فكل نفس ذائقة الموت، وما نُعت محمد - صلى الله عليه وسلم - ليخلد, لا هو ولا هم، بل ليموتوا على الإسلام والتوحيد، فإن الموت لا بد منه، سواء مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو بقي، ولهذا وبخهم على رجوع من رجع منهم عن دينه لما صرخ الشيطان، إن محمدًا قد قتل فقال: ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَّضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) (1)
والشاكرون هم الذين عرفوا قدر النعمة، فثبتوا عليها حتى ماتوا أو قتلوا فظهر أثر هذا العتاب، وحكم هذا الخطاب يوم مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وارتد من ارتد على عقبيه, وثبت الشاكرون على دينهم فنصرهم الله، وأعزهم وظفرهم وجعل العاقبة لهم))(2).
__________
(1) - [آل عمران: 144]
(2) - انظر: زاد المعاد (3/224).)

** في غزوة أحد نزل التشريع الإلهي بالعتاب على ما حدث منهم أثناء أحداث غزوة أحد, وعند موت الرسول - صلى الله عليه وسلم - جاء التطبيق حيث (لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -أقبل أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - على فرس من مسكنه بالسنح، حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة رضي الله عنها فتيمم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مغشي بثوب حبرة), فكشف عن وجهه - صلى الله عليه وسلم - ثم أكبَّ عليه فقبله وبكى، ثم قال: بأبي أنت وأمي، والله لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها)(1).
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: إن أبا بكر خرج وعمر يكلم الناس، فقال: اجلس يا عمر، فأبى عمر أن يجلس، فأقبل الناس إليه وتركوا عمر - رضي الله عنه - فقال أبو بكر - رضي الله عنه -: أما بعد من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت, قال الله تعالى: ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَّضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ )(2)
وقال: والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلقاها منه الناس كلهم، فما أسمع بشرًا من الناس إلا يتلوها. فأخبرني سعيد بن المسيب أن عمر - رضي الله عنه - قال: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر - رضي الله عنه - تلاها فَعَقِرْت حتى ما تقلُّني رجلاي، وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها, علمت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد مات.

__________
(1) - البخاري، كتاب المغازي، باب مرض رسول الله ووفاته، رقم4454.
(2) - [آل عمران: 144]

** تسلية المؤمنين وبيان حكمة الله فيما وقع يوم أحد:
قال تعالى: ( إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ) (1)
بيَّن الله -سبحانه- لهم أن الجروح والقتلى يجب ألا تؤثر في جسدهم واجتهادهم في جهاد العدو؛ وذلك لأنه كما أصابهم ذلك فقد أصاب عدوهم مثله من قبل ذلك، فإذا كانوا مع باطلهم وسوء عاقبتهم لم يفتروا لأجل ذلك في الحرب، فبأن لا يلحقكم الفتور مع حسن العاقبة والتمسك بالحق أولى

وقال صاحب الكشاف: والمعنى: إن نالوا منكم يوم أحد فقد نلتم منهم قبله يوم بدر، ثم لم يضعف ذلك قلوبهم، ولم يثبطهم عن معاودتكم بالقتال, فأنتم أولى أن لا تضعفوا. فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إنه كان يوم أحد بيوم بدر، قتل المؤمنون يوم أحد، اتخذ الله منهم شهداء، وغلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر المشركين فجعل الدولة عليهم. وقد ذكر الله تعالى أربع حكم لما حدث للمؤمنين في غزوة أحد وهي: تحقق علم الله تعالى وإظهاره للمؤمنين، وإكرام بعضهم بالشهادة التي توصل صاحبها إلى أعلى الدرجات, وتطهير المؤمنين وتخليصهم من ذنوبهم ومن المنافقين، ومحق الكافرين واستئصالهم رويدًا رويدًا)(2).

__________
(1) -[آل عمران: 140-143].
(2) - انظر: تفسير الكشاف (1/465).

 
** الملائكة في أحد:

قال سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -: رأيت عن يمين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -وعن شماله يوم أحد، رجلين عليهما ثياب يقاتلان عنه كأشد القتال، ما رأيتهما قبل ولا بعد, يعني جبريل وميكائيل، عليهما السلام(1). وهذا خاص بالدفاع عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الله تكفل بعصمته من الناس، ولم يصح أن الملائكة قاتلت في أحد سوى هذا القتال، ذلك لأن الله تعالى وعدهم أن يمدهم؛ وجعل وعده معلقًا على ثلاثة أمور: الصبر والتقوى وإتيان الأعداء من فورهم، ولم تتحقق هذه الأمور فلم يحصل الإمداد(2),, قال تعالى:
( إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلاَئِكَةِ مُنزَلِينَ بَلَى إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلاَئِكَةِ مُسَوِّمِينَ )(3) .

** وما النصر إلا من عند الله:
النصر ابتداء وانتهاء، بيد الله عز وجل, وليس ملكًا لأحد من الخلق، يهبه الله لمن يشاء ويصرفه عمن يشاء، مثله مثل الرزق، والأجل والعمل:
( وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )(4).
وحين يقدر الله تعالى النصر، فلن تستطيع قوى الأرض كلها الحيلولة دونه،
وحين يقدر الهزيمة، فلن تستطيع قوى الأرض أن تحول بينه وبين الأمة, قال تعالى:
( إِن يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ )(5)
__________
(1) مسلم، كتاب الفضائل، باب في قتال جبريل وميكائيل (4/1802).
(2) انظر: السيرة النبوية الصحيحة (2/391).
(3) - [آل عمران: 124، 125].
(4) - [الأنفال: 10]
(5) - [آل عمران: 160].

ولكن هذا النصر له نواميس ثابتة عند الله عز وجل, نحن بحاجة إلى فقهها, فلا بد أن تكون الراية خالصة لله سبحانه عند الذين يمثلون جنده, قال تعالى:
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ )(1). ونصر الله في الاستجابة له، والاستقامة على منهجه والجهاد في سبيله.

** استخراج العبودية في السراء والضراء :
ومن الحكم والدروس استخراج الله عبودية أوليائه وحزبه في السراء والضراء وفيما يحبون وما يكرهون وفي حال ظفرهم وظفر أعدائهم بهم فإذا ثبتوا على الطاعة والعبودية فيما يحبون وما يكرهون فهم عبيده حقا وليسوا كمن يعبد الله على حرف واحد من السراء والنعمة والعافية .

** حكمة تبدل الأحوال :
ومن الحكم والدروس أنه سبحانه لو نصرهم دائماً وأظفرهم بعدوهم في كل موطن وجعل لهم التمكين والقهر لأعدائهم أبدا لطغت نفوسهم وشمخت وارتفعت فلو بسط لهم النصر والظفر لكانوا في الحال التي يكونون فيها لو بسط لهم الرزق فلا يصلح عباده إلا السراء والضراء والشدة والرخاء والقبض والبسط فهو المدبر لأمر عباده كما يليق بحكمته إنه بهم خبير بصير .

الخضوع لجبروته تعالى :
ومن الحكم والدروس أن الله إذا امتحنهم بالغلبة والكسرة والهزيمة ذلوا وانكسروا وخضعوا فاستوجبوا منه العز والنصر فإن خلعة النصر إنما تكون مع ولاية الذل والانكسار قال تعالى :
{ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلّةٌ }(2) وقال:
{ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا }(3) فهو - سبحانه - إذا أراد أن يعز عبده ويجبره وينصره كسره أولا ويكون جبره له ونصره على مقدار ذله وانكساره .
__________
(1) - [محمد: 7]
(2) -[ آل عمران 123 ]
(3) -[ التوبة 25 ]

رفع منازلهم :
سبحانه وتعالى هيأ لعباده المؤمنين منازل في دار كرامته لم تبلغها أعمالهم ولم يكونوا بالغيها إلا بالبلاء والمحنة فقيض لهم الأسباب التي توصلهم إليها من ابتلائه وامتحانه كما وفقهم للأعمال الصالحة التي هي من جملة أسباب وصولهم إليها(1) .
** تحريضهم على الجد في العبودية لله.

** تربية الأبناء على حب الجهاد:

ذكر الواقدي في المغازي في سياق رواية له " وعرض عليه غلمان عبد الله بن عمر ، وزيد بن ثابت ، وأسامة بن زيد والنعمان بن بشير وزيد بن أرقم والبراء بن عازب ، وأسيد بن ظهير ، وعرابة بن أوس ، وأبو سعيد الخدري ، وسمرة بن جندب ، ورافع بن خديج ، فردهم . قال رافع بن خديج ، فقال ظهير بن رافع يا رسول الله إنه رام وجعلت أتطاول وعلي خفان لي . فأجازني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فلما أجازني قال سمرة بن جندب لربيبه مري بن سنان الحارثي ، وهو زوج أمه يا أبت أجاز رسول الله رافع بن خديج وردني ، وأنا أصرع رافع بن خديج . فقال مري بن سنان الحارثي : يا رسول الله رددت ابني وأجزت رافع بن خديج وابني يصرعه . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تصارعا فصرع سمرة رافعا فأجازه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - وكانت أمه امرأة من بني أسد .
__________
(1) - زاد المعاد لابن القيم
(1/39)

في هذا الخبر دليل كافٍ على حب الصحابة للجهاد وارتفاع مستواهم التربوي,حيث حببوا الجهاد لأبنائهم فأصبح غلمانهم يتسابقون في ميادين الجهاد.


 الجهاد يلزم بالشروع فيه ويتعين إذا طرق العدو ديار المسلمين :
يقول بن القيم في الزاد:" أن الجهاد يلزم بالشروع فيه حتى إن من لبس لامته وشرع في أسبابه وتأهب للخروج ليس له أن يرجع عن الخروج حتى يقاتل عدوه كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك وكذلك لا يجب على المسلمين إذا طرقهم عدوهم في ديارهم الخروج إليه بل يجوز لهم أن يلزموا ديارهم ويقاتلوهم فيها إذا كان ذلك أنصر لهم على عدوهم كما أشار به رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم يوم أحد.

 يدفن الشهداء في مصارعهم :
ومن الدروس أن السنة في الشهداء أن يدفنوا في مصارعهم ولا ينقلوا إلى مكان آخر فإن قوماً من الصحابة نقلوا قتلاهم إلى المدينة فنادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالأمر برد القتلى إلى مصارعهم قال جابر بينا أنا في النظارة إذ جاءت عمتي بأبي وخالي عادلتهما على ناضح فدخلت بهما المدينة لندفنهما في مقابرنا وجاء رجل ينادي : ألا إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمركم أن ترجعوا بالقتلى فتدفنوها في مصارعها حيث قتلت .
قال فرجعنا بهما فدفناهما في القتلى حيث قتلا فبينا أنا في خلافة معاوية بن أبي سفيان إذ جاءني رجل فقال يا جابر والله لقد أثار أباك عمال معاوية فبدا فخرج طائفة منه قال فأتيته فوجدته على النحو الذي تركته لم يتغير منه شيء . قال فواريته فصارت سنة في الشهداء أن يدفنوا في مصارعهم(1).

 يجوز دفن الثلاثة في القبر الواحد :
ومن الدروس جواز دفن الرجلين أو الثلاثة في القبر الواحد فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -كان يدفن الرجلين والثلاثة في القبر ويقول أيهم أكثر أخذا للقرآن فإذا أشاروا إلى رجل قدمه في اللحد ودفن عبد الله بن عمرو بن حرام وعمرو بن الجموح في قبر واحد لما كان بينهما من المحبة فقال ادفنوا هذين المتحابين في الدنيا في قبر واحد.

 دروس مفرقة:
ومن الدروس أنَّ الإمام لا يأذن لمن لا يطيق القتال من الصبيان غير البالغين بل يردهم إذا خرجوا كما رد رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمر ومن معه . ومنها : جواز الغزو بالنساء والاستعانة بهن في الجهاد . ومنها : جواز الانغماس في العدو كما انغمس أنس بن النضر وغيره .

** كرامات ومعجزات في أحد:
منها: رد عين قتادة بن النعمان، روى أبو يعلى وأبو نعيم من طريق عاصم بن عمر بن قتادة، عن أبيه عن جده: أنه أصيبت عينه يوم أحد فسالت حدقته على وجنته، فأرادوا قطعها، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " لا "، فدعا به فغمز عينه براحته، فكان لا يدري أي عينيه أصيبت، وله طرق تأتي في المعجزات.
ومنها إخباره عن رجل قاتل الكفار قتالا شديدا إنه من أهل النار قتل نفسه.
وتقدم بيان ذلك.
ومنها: انقلاب العسيب سيفا، قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن سعيد بن عبد الرحمن الجحشي: أخبرنا أشياخنا أن عبد الله بن جحش جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، يوم أحد، وقد ذهب سيفه فأعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم -عسيباً من نخل، فرجع في يد عبد الله سيفا.
قال الزبير بن بكار في " الموفقيات ": إن قائمة منه، وكان يسمى العرجون، ولم يزل يتناقل حتى بيع من بغاء التركي بمائتي دينار.
ومنها: إجابة قسم عبد الله بن جحش.
ومنها: عدم استطاعة هند أكل شئ من كبد حمزة.

ومنها: أن رجلا قال: اللهم إن كان محمد على الحق فاخسف به، يعني نفسه، فخسب به، كما رواه البزار بسند حسن، عن بريدة.
ومنها: وجدان أنس بن النضر وسعد بن الربيع رائحة الجنة، كما تقدم في القصة.
ومنها: تغسيل الملائكة لحمزة وحنظلة، كما تقدم.
ومنها: تظليل الملائكة لعبد الله والد جابر، كما رواه الشيخان.

قول فداك أبي وأمي لسعد منه - صلى الله عليه وسلم -:
قال علي رضي الله عنه: " ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لأحد: فداك أبي وأمي إلا لسعد يوم أحد ".
رواه البخاري (1)وغيره، وروى أيضا عنه: " ما جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -بين أبويه لأحد إلا لسعد "(2).
قال في الروض: والرواية الأولى أصح، والله أعلم، لأنه أخبر أنه لم يسمع، وقد قال الزبير بن العوام: إنه - صلى الله عليه وسلم - جمع له أيضا أبويه، كما رواه الزبير بن بكار في كتاب النسب.
قال السهيلي: وفقه هذا الحديث أن هذا الكلام جائز لمن كان أبواه غير مؤمنين، وأما إذا كانا مؤمنين فلا، لأنه كالعقوق لهما، كذلك سمعت شيخنا أبا بكر بن العربي يقول في هذه المسألة.
قلت: قال الإمام النووي في كتابه " حلية الأبرار ": المذهب الصحيح المختار أنه لا يكره قول الإنسان لغيره: فداك أبي وأمي، أو جعلني الله فداك.
وقد تظاهرت على جواز ذلك الأحاديث المشهورة في الصحيحين وغيرهما، وسواء كان الأبوان مسلمين أو كافرين، وكره ذلك بعض العلماء إذا كان مسلمين.
قال النحاس: وكره مالك بن أنس: " جعلني الله فداك "، وأجازه بعضهم.
قال القاضي عياض رحمه الله: ذهب جمهور العلماء إلى جواز ذلك، سواء كان المفدى به مسلما أو كافرا.
قال النووي: قد جاء من الأحاديث الصحيحة في جواز ذلك ما لا يحصى(3).

__________
(1) - زاد المعاد باب ما جاء في الحكم والدروس من احد.
(1) - أخرجه البخاري في كتاب الأدب (6184) (2) أخرجه البخاري في كتاب المغازي (4059).
(2) - أخرجه البخاري في كتاب المغازي معلقا 5 / 223 ومسلم 3 / 1417 (104 - 1791).
(3) - أنظر –سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد للصالحي الشامي لطبعة الأولى 1414 ه - 1993 م دار الكتب العلمية بيروت - لبنان ص

– جواز التداوي:
في مداواته - صلى الله عليه وسلم -جرحه إشارة إلى جواز التداوي، وأن الأنبياء - صلى الله عليه وسلم - قد يصابون ببعض العوارض الدنيوية من الجراحات والآلام والأسقام، ليعظم لهم بذلك الأجر، وتزداد درجاتهم، وليتأسى بهم أتباعهم في الصبر على المكاره، والعاقبة للمتقين.
والى هنا أكتفي وأسأل الله عزوجل بمنه وكرمه أن ينفعنا بما نقول ونسمع ونكتب وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم .
***********************
المراجع
1- تفسير القرآن العظيم لابن كثير
2- فقه السيرة – البوطي
3- المغازي للواقدي
4- السيرة النبوية للصلابي
5- فقه السيرة لابن هشام
6- السيرة النبوية دروس وعبر للسباعي
7- زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم
8- السيرة النبوية الصحيحة
9- الكشاف للزمخشري
10- صحيح البخاري – كتاب المغازي
11- الجامع لأحكام القرآن – القرطبي
12- سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد للصالحي الشامي.

أمير بن محمد المدري

لإمام وخطيب مسجد الإيمان - اليمن - عمران
 المكتبة الشاملة - جامعة أم القرى