(سيرة17)-30محرم 1435/3-12-2013
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إسلام الصحابة ومتابعة الأذى وقولهم أنهم من الأوائل
إسلام عمرو بن عبسة السلمي من
صحيح السيرة
ثبت في ((صحيح مسلم)) من حديث أبي أمامة عن عمرو
بن عبسة السلمي رضي الله عنه قال:
أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول ما بعث وهو بـ(مكة)، وهو
حينئذ مستخف، فقلت: ما أنت؟ قال: ((أنا نبي)). فقلت: وما النبي؟ قال: ((رسول
الله)).
الحديث(قال
عَمرو بنُ عبسةَ السُّلَميُّ : كنتُ ، وأنا في الجاهليةِ ، أظنُّ أنَّ الناسَ على
ضلالةٍ . وأنهم ليسوا على شيءٍ . وهم يعبدون الأوثانَ . فسمعتُ برجلٍ بمكةَ يخبِر
أخبارًا . فقعدتُ على راحلتي . فقدمتُ عليه . فإذا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه
وسلَّمَ مُستخفيًا ، جُرَءَاءُ عليه قومُه . فتلطَّفتُ حتى دخلتُ عليه بمكةَ .
فقلتُ له : ما أنت ؟ قال " أنا نبيٌّ " فقلتُ : وما نبيٌّ ؟ قال "
أرسلَني اللهُ " فقلتُ : وبأيِّ شيءٍ أرسلَك ؟ قال " أرسلني بصلةِ
الأرحامِ وكسرِ الأوثانِ وأن يُوحَّدَ اللهُ لا يشركُ به شيئًا " قلتُ له :
فمن معك على هذا ؟ قال " حُرٌّ وعبدٌ " ( قال ومعه يومئذٍ أبو بكرٍ
وبلالٌ ممَّن آمن به ) فقلتُ : إني مُتَّبِعُك . قال " إنك لا تستطيعُ ذلك
يومَك هذا . ألا ترى حالي وحالَ الناسِ ؟ ولكن ارْجِعْ إلى أهلِك . فإذا سمعتَ بي
قد ظهرتُ فأْتِني " قال فذهبتُ إلى أهلي . وقدِم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ
عليه وسلَّمَ المدينةَ . وكنتُ في أهلي . فجعلتُ أتخبَّر الأخبارَ وأسأل الناسَ
حين قدم المدينةَ . حتى قدم على نفرٍ من أهلِ يثربَ من أهلِ المدينةِ . فقلتُ : ما
فعل هذا الرجلُ الذي قدم المدينةَ ؟ فقالوا : الناسُ إليه سِراعٌ . وقد أراد قومُه
قتلَه فلم يستطيعوا ذلك . فقدمتُ المدينةَ . فدخلتُ عليه . فقلتُ : يا رسولَ اللهِ
! أَتعرِفُني ؟ قال " نعم . أنت الذي لقِيتَني بمكةَ ؟ " قال فقلتُ :
بلى . فقلتُ : يا نبيَّ اللهِ ! أَخْبِرْني عما علَّمك اللهُ وأَجهلُه . أخبِرني
عن الصلاةِ ؟ قال " صلِّ صلاةَ الصبحِ . ثم أَقصِر عن الصلاةِ حتى تطلعَ
الشمسُ حتى ترتفعَ . فإنها تطلعُ حين تطلعُ بين قَرْني شيطانٍ . وحينئذٍ يسجد لها
الكفارُ . ثم صلِّ . فإنَّ الصلاةَ مشهودةٌ محضورةٌ . حتى يستقلَّ الظلُّ بالرمحِ
. ثم أَقصِر عن الصلاةِ . فإنَّ ، حينئذٍ ، تُسجَرُ جهنَّمُ . فإذا أقبل الفَيءُ
فصَلِّ . فإنَّ الصلاةَ مشهودةٌ محضورةٌ . حتى تصلِّي العصرَ . ثم أَقصِر عن
الصلاةِ . حتى تغربَ الشمسُ . فإنها تغرب بين قرني شيطانٍ . وحينئذٍ يسجد لها
الكفارُ " . قال فقلتُ : يا نبيَّ اللهِ ! فالوضوءُ ؟ حدِّثني عنه . قال
" ما منكم رجلٌ يقربُ وضوءَه فيتمضمضُ ويستنشقُ فينتثِرُ إلا خرَّتْ خطايا
وجهِه وفيه وخياشيمُه . ثم إذا غسل وجهَه كما أمره اللهُ إلا خرَّت خطايا وجهِه من
أطرافِ لِحيتِه مع الماءِ . ثم يغسل يدَيه إلى المَرفِقَين إلا خرَّتْ خطايا يدَيه
من أناملِه مع الماءِ . ثم يمسح رأسَه إلا خرَّتْ خطايا رأسِه من أطرافِ شعرِه مع
الماءِ . ثم يغسل قدمَيه إلى الكعبَين إلا خرَّت خطايا رجلَيه من أناملِه مع
الماءِ . فإن هو قام فصلَّى ، فحمد اللهَ وأثنى عليه ، ومجَّده بالذي هو له أهلٌ ،
وفرَّغ قلبَه للهِ ، إلا انصرف من خطيئتِه كهيئتِه يوم َولدتْه أمُّه "
فحدَّث عَمرو بنُ عبسةَ بهذا الحديثِ أبا أمامةَ صاحبَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ
عليه وسلَّمَ . فقال له أبو أُمامةَ : يا عَمرو بنَ عَبسةَ ! انظُرْ ما تقول . في
مقامٍ واحدٍ يُعطى هذا الرجلُ ؟ فقال عَمرو . يا أبا أُمامةَ ! لقد كبِرَتْ سِنِّي
، ورَقَّ عَظمي ، واقترب أجَلي ، وما بي حاجةٌ أن أكذبَ على اللهِ ، ولا على رسولِ
اللهِ . لو لم أسمَعه من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلا مرةً أو مرتَين
أو ثلاثًا ( حتى عَدَّ سبعَ مراتٍ ) ما حدَّثتُ به أبدًا . ولكني سمعتُه أكثرَ من
ذلك ).
الراوي:
عمرو بن عبسة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 832-خلاصة حكم
المحدث: صحيح
تعليق الشيخ
ويقال: إن معنى قوله عليه السلام: ((حر وعبد)) اسم جنس، وتفسير ذلك
بأبي بكر وبلال فقط فيه نظر؛ فإنه قد كان جماعة أسلموا قبل عمرو بن عبسة، وقد كان
زيد بن حارثة أسلم قبل بلال أيضا، فلعله أخبر أنه ربع الإسلام بحسب علمه، فإن
المؤمنين كانوا إذ ذاك يستسرون بإسلامهم، لا يطلع على أمرهم كثير أحد من قراباتهم،
دع الأجانب، دع أهل البادية من الأعراب. والله أعلم.
سعد بن أبي وقاص ثلث الإسلام وفي
((صحيح البخاري)) عن : سعيد بن المسيب (سمعتُ سعدَ
بنِ أبي وقاصً يقول : ما أسلم أحدٌ إلا في اليوم الذي أسلمتُ فيهِ، ولقد مكثتُ
سبعة أيامٍ، وإني لثلثُ الإسلامِ)
الراوي: سعيد بن المسيب المحدث: البخاري - المصدر: صحيح
البخاري - الصفحة أو الرقم: 3727-خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
تعليق الشيخ أما قوله: ((ما أسلم أحدٌ في اليوم الذي أسلمت فيه))
فسهل، ويروى: ((إلا في اليوم الذي أسلمت فيه))، وهو مشكل؛ إذ يقتضي أنه لم يسبقه
أحد بالإسلام، وقد علم أن الصديق وعلياً وخديجة وزيد بن حارثة أسلموا قبله؛ كما قد
حكى الإجماع على تقدم إسلام هؤلاء غير واحد؛ منهم ابن الأثير.
ونص أبو حنيفة رضي الله عنه على أن كلاً من هؤلاء أسلم قبل أبناء
جنسه. والله أعلم.
وأما قوله: ((ولقد مكثت سبعة أيام وإني لثلث الإسلام))
فمشكل، وما أدري على ماذا يوضع عليه؟! إلا أن يكون أخبر بحسب ما علمه. والله أعلم.
إسلام عبدالله بن مسعود
وروى الطيالسي وأحمد والحسن
بن عرفة عن ابن مسعود قال:
(كنت أرعى غنما
لعقبة بن أبي معيط فمر بي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبو بكر فقال :
يا غلام هل من لبن ؟ قال : قلت : نعم ، ولكني مؤتمن . قال : فهل من شاة لم ينز عليها
الفحل . فأتيته بشاة فمسح ضرعها ، فنزل لبن فحلبه في إناء ، فشرب وسقي أبا بكر ثم
قال للضرع : اقلص فقلص . قال : ثم أتيته بعد هذا فقلت : يا رسول الله علمني من هذا
القول . قال : فمسح رأسي وقال : يرحمك الله فإنك غليم معلم . ثم قال الإمام أحمد
رحمه الله ثنا عفان ثنا حماد بن سلمة عن عاصم بإسناده . قال : فأتاه أبو بكر بصخرة
منقورة فاحتلب فيها فشرب وشرب أبو بكر وشربت قال : ثم أتيته بعد ذلك قلت : علمني
من هذا القرآن . قال : إنك غلام معلم . قال فأخذت من فيه سبعين سورة)
الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث: الوادعي - المصدر:
صحيح دلائل النبوة - الصفحة أو الرقم: 130- -خلاصة حكم المحدث: حسن
كنت غلامًا يافعًا أرعَى غنمًا لعقبةَ بنِ أبي مُعَيطٍ
فجاء النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأبو بكرٍ وقد فرَّا من المشركين فقالا يا
غلامُ هل عندَك من لبنٍ تسقينا قلت إني مؤتمنٌ ولست بساقيكما
الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث: الهيثمي - المصدر:
مجمع الزوائد - الصفحة أو الرقم: 6/20
خلاصة حكم المحدث: رجاله رجال الصحيح
ذكر إسلام أبي ذر رضي الله عنه كُنْتُ رُبُعَ الإسلامِ
عن أبي ذر قال:
(كُنْتُ رُبُعَ الإسلامِ أسلَم قبْلي ثلاثةٌ وأنا
الرَّابعُ أتَيْتُ نبيَّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقُلْتُ له : السَّلامُ
عليكَ يا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ
وأشهَدُ أنَّ مُحمَّدًا عبدُه ورسولُه فرأَيْتُ الاستبشارَ في وجهِ رسولِ اللهِ
صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال : ( مَن أنتَ ؟ ) فقُلْتُ : إنِّي جُنْدُبٌ رجُلٌ
مِن بني غِفَارٍ
الراوي: جابر بن عبدالله المحدث: ابن حبان - المصدر: صحيح ابن حبان -
الصفحة أو الرقم: 4714
خلاصة حكم المحدث: أخرجه في صحيحه هذا سياق مختصر.
الحديث بالبخاري
(لما بلَغ أبا ذرٍّ مَبعَثَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه
وسلَّم قال لأخيه : اركَبْ إلى هذا الوداي فاعلَمْ لي عِلمَ هذا الرجلِ الذي
يَزعُمُ أنه نبيٌّ، يأتيه الخبرُ من السماءِ، واسمَعْ من قولِه ثم ائتِني، فانطلَق
الأخُ حتى قَدِمَه، وسَمِعَ من قولِه، ثم رجَع إلى أبي ذرٍّ فقال له : رأيتُه
يأمُرُ بمكارِمِ الأخلاقِ، وكلامًا ما هو بالشعرِ، فقال : ما شَفَيتَني مما
أرَدتُ، فتَزَوَّدَ وحمَل شَنَّةً له فيها ماءٌ حتى قَدِمَ مكةَ، فأتَى المسجدَ
فالتَمَسَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولا يَعرِفُه، وكَرِهَ أن يَسألَ عنه
حتى أدرَكَه بعضُ الليلِ، فرآه عليٌّ فعرَف أنه غريبٌ، فلما رآه تَبِعَه فلم يسألْ
واحدٌ منهما صاحبَه عن شيءٍ حتى أصبَح، ثم احتَمَل قِربَتَه وزادَه إلى المسجدِ،
وظلَّ ذلك اليومَ ولا يَراه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتى أمسَى، فعاد إلى
مضجَعِه فمرَّ به عليٌّ فقال : أما نال للرجلِ أن يَعلمَ مَنزِلَه ؟ فأقامَه فذهَب
به معَه، لا يسألٌ واحدٌ منهما صاحبَه عن شيءٍ، حتى إذا كان اليومُ الثالثُ، فعاد
عليٌّ مثلَ ذلك، فأقام معَه ثم قال : ألا تُحَدِّثُني ما الذي أَقدَمَك، قال : إن
أعطَيتَني عهدًا وميثاقًا لَتُرشِدَنِّي فعلتُ، ففعَل فأخبَره، قال : فإنه حقٌّ،
وهو رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فإذا أصبَحتَ فاتبَعْني، فإن رأيتُ
شيئًا أخافُ عليك قُمتُ كأني أُريقُ الماءَ(يبول)، فإن مَضَيتُ فاتبَعْني
حتى تدخُلَ مَدخَلي ففعَل، فانطلَق يَقفوه حتى دخَل على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه
وسلَّم ودخَل معَه، فسَمِعَ من قولِه وأسلَم مكانَه، فقال له النبيُّ صلَّى اللهُ
عليه وسلَّم : ( ارجِعْ إلى قومِك فأخبِرهم حتى يأتيَك أمري ) . قال : والذي نفسي
بيدِه، لأصرُخَنَّ بها بين ظَهرانَيهِم، فخرَج حتى أتَى المسجدَ، فنادَى بأعلَى
صوتِه : أشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وأن محمدًا رسولُ اللهِ، ثم قام القومُ
فضربوه حتى أضجَعوه، وأتَى العباسُ فأكَبَّ عليه، قال : ويلَكم ألستُم تعلمون أنه
من غِفارٍ، وأن طريقَ تِجارِكم إلى الشأمِ، فأنقَذه منهم، ثم عاد من الغدِ
لمثلِها، فضربوه وثاروا إليه، فأكَبَّ العباسُ عليه .
الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: البخاري - المصدر:
صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3861
خلاصة حكم المحدث: [صحيح] هذا
لفظ البخاري.
وقد جاء إسلامه مبسوطاً في ((صحيح مسلم)) وغيره، فروى أحمد عن عبد
الله بن الصامت [قال: ] قال أبو ذر:
خرجنا من قومنا غِفَارٌ . وكانوا يُحلُّونَ الشهرَ
الحرامَ . فخرجتُ أنا وأخي أنيسٌ وأمنا . فنزلنا على خالٍ لنا . فأكرمَنا خالُنا
وأحسنَ إلينا . فحسدنا قومُه فقالوا : إنك إذا خرجت عن أهلِكَ خالفْ إليهم أنيسٌ .
فجاء خالنا فنَثَا علينا الذي قيل لهُ . فقلتُ : أما ما مضى من معروفِك فقد
كدَّرْتَه ، ولا جماعَ لك فيما بعدُ . فقرَّبنا صَرْمَتَنا . فاحتملنا عليها .
وتَغَطَّى خالنا ثوبَه فجعل يبكي . فانطلقنا حتى نزلنا بحضرةِ مكةَ . فنافَرَ
أنيسٌ عن صِرْمَتِنا وعن مثلِها . فأتيا الكاهنَ . فخيَّر أنيسًا . فأتانا أنيسٌ
بصِرْمَتِنا ومثلِها معها . قال : وقد صليتُ ، يا ابنَ أخي ! قبل أن ألقى رسولَ
اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بثلاثِ سنين . قلتُ : لمن ؟ قال : للهِ . قلتُ :
فأين توجَّهُ ؟ قال : أتوجَّهُ حيثُ يُوجِّهُني ربي . أصلي عشاءً حتى إذا كان من
آخرِ الليلِ أُلْقِيتُ كأني خفاءٌ . حتى تعلوني الشمسُ . فقال أنيسٌ : إنَّ لي
حاجةً بمكةَ فاكفِني . فانطلق أنيسٌ حتى أتى مكةَ . فراث عليَّ . ثم جاء فقلتُ :
ما صنعتَ ؟ قال : لقيتُ رجلًا بمكةَ على دِينِك . يزعمُ أنَّ اللهَ أرسلَه . قلتُ
: فما يقول الناسُ ؟ قال : يقولون : شاعرٌ ، كاهنٌ ، ساحرٌ . وكان أنيسٌ أحدُ
الشعراءِ . قال أنيسٌ : لقد سمعتُ قولَ الكهنةِ . فما هو بقولهم . ولقد وضعتُ
قولَه على أقراءِ الشِّعْرِ . فما يلتئمُ على لسانِ أحدٍ بعدي ؛ أنَّهُ شِعْرٌ .
واللهِ ! إنَّهُ لصادقٌ . وإنهم لكاذبون . قال : قلتُ : فاكفني حتى أذهبَ فأنظرُ .
قال فأتيتُ مكةَ . فتضعفتُ رجلًا منهم . فقلتُ : أين هذا الذي تدعونَه الصابئَ ؟
فأشار إليَّ ، فقال : الصابئُ . فمال عليَّ أهلُ الوادي بكل مُدْرَةٍ وعظمٍ . حتى
خررتُ مغشيًّا عليَّ . قال فارتفعتُ حينَ ارتفعتُ ، كأني نُصُبٌ أحمرُ . قال
فأتيتُ زمزمَ فغسلتُ عني الدماءَ : وشربتُ من مائها . ولقد لبثتُ ، يا ابنَ أخي !
ثلاثين ، بين ليلةٍ ويومٍ . ما كان لي طعامٌ إلا ماءَ زمزمَ . فسمنتُ حتى تكسرتْ
عُكَنُ بطني . وما وجدتُ على كبدي سُخْفَةَ جوعٍ . قال فبينا أهلُ مكةَ في ليلةٍ
قمراءَ إضحيانِ ، إذ ضُرِبَ على أسمختهم . فما يطوف بالبيتِ أحدٌ . وامرأتين منهم
تدعوانِ إسافًا ونائلةً . قال فأتتا عليَّ في طوافِهما فقلتُ : أنكحا أحدهما
الأخرى . قال فما تناهتَا عن قولهما . قال فأتتا عليَّ . فقلتُ : هنَّ مثلُ
الخشبةِ . غيرَ أني لا أكني . فانطلقتا تُوَلْوِلَانِ ، وتقولان : لو كان ههنا
أحدٌ من أنفارنا ! قال فاستقبَلَهُما رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وأبو
بكرٍ . وهما هابطانِ . قال " ما لكما ؟ " قالتا : الصابئُ بين الكعبةِ
وأستارها . قال " ما قال لكما ؟ " قالتا : إنَّهُ قال لنا كلمةً تملأُ الفمَ
. وجاء رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ حتى استلمَ الحجرَ . وطاف بالبيتِ
هو وصاحبُه . ثم صلى . فلما قضى صلاتَه ( قال أبو ذرٍّ ) فكنتُ أنا أولُ من
حيَّاهُ بتحيةِ الإسلامِ . قال فقلتُ : السلامُ عليك يا رسولَ اللهِ ! فقال "
وعليكَ ورحمةُ اللهِ " . ثم قال " من أنت ؟ " قال قلتُ : من غفارٍ
. قال فأهوى بيدِه فوضع أصابعَه على جبهتِه . فقلتُ في نفسي : كرِهَ أن انتميتُ
إلى غفارٍ . فذهبتُ آخذُ بيدِه . فقدعني صاحبُه . وكان أعلمَ بهِ مني . ثم رفع
رأسَه . ثم قال " متى كنتَ ههنا ؟ " قال قلتُ : قد كنتُ ههنا منذ ثلاثينَ
، بين ليلةٍ ويومٍ . قال " فمن كان يُطعمك ؟ " قال قلتُ : ما كان لي
طعامٌ إلا ماءُ زمزمَ . فسمنتُ حتى تكسرتْ عُكَنُ بطني . وما أجدُ على كبدي
سُخْفَةَ جوعٍ . قال " إنها مباركةٌ . إنها طعامُ طُعْمٍ " . فقال أبو
بكرٍ : يا رسولَ اللهِ ! ائذن لي في طعامِه الليلةَ . فانطلق رسولُ اللهِ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّمَ وأبو بكرٍ . وانطلقتُ معهما . ففتح أبو بكرٍ بابًا . فجعل
يقبضُ لنا من زبيبِ الطائفِ . وكان ذلك أولُ طعامٍ أكلتُه بها . ثم غبرتُ ما غبرتُ
. ثم أتيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال " إنَّهُ قد
وُجِّهَتْ لي أرضٌ ذاتُ نخلٍ . لا أراها إلا يثربَ . فهل أنت مُبَلِّغٌ عني قومك ؟
عسى اللهُ أن ينفَعَهم بك ويأجُرَكَ فيهم " . فأتيتُ أنيسًا فقال : ما صنعتَ
؟ قلتُ : صنعتُ أني قد أسلمتُ وصدَّقتُ . قال : ما بي رغبةٌ عن دِينِكَ . فإني قد
أسلمتُ وصدَّقتُ . فأتينا أمَّنا . فقالت : ما بي رغبةٌ عن دينكما . فإني قد
أسلمتُ وصدَّقتُ . فاحتملنا حتى أتينا قومنا غفارًا . فأسلمَ نصفهم . وكان
يَؤُمُّهم إيماءُ بنُ رحضةَ الغفاريُّ . وكان سيدهم . وقال نصفُهم : إذا قدم رسولُ
اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ المدينةَ أسلمنا . فقدم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ
عليهِ وسلَّمَ المدينةَ . فأسلم نصفُهم الباقي . وجاءت أسلمُ . فقالوا : يا رسولَ
اللهِ ! إخوتنا . نُسْلِمُ على الذين أسلموا عليهِ . فأسلموا . فقال رسولُ اللهِ
صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ " غفارٌ غفر اللهُ لها . وأسلمُ سالمها اللهُ
" . وفي روايةٍ : وزاد بعدَ قولِه - قلتُ فاكفني حتى أذهبَ فأنظرَ - قال :
نعم . وكن على حذرٍ من أهلِ مكةَ . فإنهم قد شنَفُوا لهُ وتجهَّموا . وفي روايةٍ :
قال أبو ذرٍّ : يا ابنَ أخي ! صليتُ سنتين قبل مبعثِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ
وسلَّمَ . قال قلتُ : فأين كنتَ تَوجَّهُ ؟ قال : حيثُ وجَّهني اللهُ . واقتصَّ
الحديثَ بنحوِ حديثِ سليمانَ بنِ المغيرةِ . وقال في الحديثِ : فتنافروا إلى رجلٍ
من الكُهَّانِ . قال فلم يزل أخي ، أنيسٌ يمدحُه حتى غلَبَه . قال فأخذنا صرْمَتَه
فضممناها إلى صرمَتِنا . وقال أيضًا في حديثِه : قال فجاء النبيُّ صلَّى اللهُ
عليهِ وسلَّمَ فطاف بالبيتِ وصلى ركعتين خلفَ المقامِ . قال فأتيتُه . فإني لأولُ
الناسِ حيَّاهُ بتحيةِ الإسلامِ . قال قلتُ : السلامُ عليك يا رسولَ اللهِ ! قال
" وعليك السلامُ . من أنت " . وفي حديثِه أيضًا : فقال " منذُ كم
أنت ههنا ؟ " قال قلتُ : منذُ خمسَ عشرةَ . وفيهِ : فقال أبو بكرٍ :
أتْحَفَنِي بضيافتِه الليلةَ .
الراوي: أبو ذر الغفاري المحدث: مسلم - المصدر: صحيح
مسلم - الصفحة أو الرقم: 2473
خلاصة حكم المحدث: صحيح
وسنذكر إسلام سلمان الفارسي في حينها
إن شاء الله
[133]
@باب
أمر الله رسوله عليه الصلاة والسلام بإبلاغ
الرسالة إلى الخاص والعام وأمره له بالصبر والاحتمال والإعراض
عن الجاهلين المعاندين المكذبين بعد قيام الحجة عليهم وإرسال الرسول الأعظم إليهم
وذكر ما لقي من الأذية منهم هو وأصحابه رضي الله عنهم
قال الله تعالى : ﴿وأنذر عشيرتك الأقربين. واخفض جناحك لمن اتبعك من
المؤمنين. فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون. وتوكل على العزيز الرحيم. الذي يراك
حين تقوم. وتقلّبك في الساجدين. إنه هو السميع العليم﴾ [الشعراء:214-220].
وقال تعالى : ﴿وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون﴾ [الزخرف: 44].
وقال تعالى : ﴿إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد﴾ [القصص: 85]،
أي: إن الذي فرض عليك وأوجب عليك تبليغ القرآن لرادك إلى دار الآخرة، وهي المعاد،
فيسألك عن ذلك؛ كما قال تعالى : ﴿ فوربك لنسالنهم أجمعين، عما كانوا يعملون﴾
[الحجر: 92 و93].
والآيات والأحاديث في هذا كثيرة جداً، وقد تقصينا الكلام على ذلك في
كتابنا ((التفسير))، وبسطنا من القول في ذلك عند قوله تعالى في سورة (الشعراء):
[134]
﴿وأنذر عشيرتك الأقربين﴾،
وأوردنا أحاديث جمة في ذلك.
فمن ذلك
وأخرج أحمد – والسياق له – والشيخان عن أبي هريرة قال:
لما نزلت هذه الآية: ﴿وأنذر عشيرتك الأقربين﴾ [الشعراء: 214] دعا رسول
الله صلى الله عليه وسلم قريشاً، فعم وخص ، فقال:وذكرنا حديث ذكر ابي لهب ونزول
سورة المسد
[135]
عن أبي هريرةَ ؛ قال : لما أُنزلتْ هذه الآيةُ : {
وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } [ الشعراء : 214 ] دعا رسولُ اللهِ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّمَ قريشًا . فاجتمعوا . فعمَّ وخصَّ . فقال يا بني كعبِ بنِ لؤيّ
! أنقِذُوا أنفُسَكُم منَ النارِ . يا بني مرةَ بنِ كعبٍ ! أنقذُوا أنفُسَكُمْ منَ
النارِ . يا بني عبدِ شمسٍ ! أنقذُوا أنفسَكُم من النارِ . يا بني عبدِ منافٍ !
أنقذُوا أنفُسكُم من النارِ . يا بني هاشمٍ ! أنقذُوا أنفسكُم منَ النارِ . يا بني
عبدِالمطَّلبِ ! أنقذُوا أنفُسكمْ منَ النارِ . يا فاطمةُ ! أنقذِي نفسَكِ منَ
النارِ . فإني لا أملكُ لكُم منَ اللهِ شيئًا . غيرَ أنَّ لكُم رحِمًا سأَبُلُّها
ببِلالِها .
الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو
الرقم: 204
خلاصة حكم المحدث: صحيح
وعن عائشة رضي الله عنها قالت:
لما نزلت هذه الآيةُ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ
الْأَقْرَبِينَ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ : يا فاطمةُ ابنةَ
محمدٍ ، يا صفيةُ بنتَ عبدِ المطلبِ ، يا بني عبدِ الملطبِ ، لا أُغني عنكم من
اللهِ شيئًا ، سلُوني من مالي ما شئتُم
الراوي: عائشة أم المؤمنين المحدث: الألباني - المصدر: صحيح النسائي -
الصفحة أو الرقم: 3650-خلاصة حكم المحدث: صحيح
صحيح
السيرة لابن كثير تحقيق ش الألباني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق