تأكد قبل أن تنشر....

"من سلك طريقا يبتغي فيه علما ، سلك الله به طريقا إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم ، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ، ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد ، كفضل القمر على سائر الكواكب ، إن العلماء ورثة الأنبياء ، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ، ولا درهما ، إنما ورثوا العلم ، فمن أخذ به فقد أخذ بحظ وافر"
الراوي: أبو الدرداء المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2682-خلاصة حكم المحدث: صحيح

الثلاثاء، 22 مارس 2011

B8 الرد المبين على من أجاز ولاية الكافر على المسلمين!!





الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله خَير خَلْق الله أجمعين، وعلى آله وأزواجه وأصحابه الأخيار الطَّاهرين.

وبعد:مسألة هامة .....





هل يجوز تولِّي الكافرِ الولايةَ العظمى في بلاد المسلمين؟؛



وليكون حاكمًا عليهم، مدبِّرًا لشؤونِهم، متصرِّفًا في أمورهم، وله حقُّ الطاعة عليهم؛ مستدلِّين على ذلك بتولِّي سيدنا يوسف - عليه السَّلام - للولاية في ظلِّ حُكم مَلِكٍ كافر، وبتولِّي الكُفَّار لبعض الولايات الخاصة في بلاد المسلمين بلا إنكارٍ أو تَثريب،




مثل رئاسة بعضهم لاتِّحاد مُلاَّك عمارة سكَنية، وقالوا: إن هؤلاء الكُفَّارَ شركاء لنا في الوطن، ومِن ثَمَّ يجب أن يتساوَوْا مع المسلمين في الحقوق والواجبات!



الحَقُّ أن هذا كلام بعيدٌ عن الصَّواب، مُخالف للحقِّ من وجوه، منها:







أولاً: أن وظيفة حُكَّام المسلمين الرئيسة هي إقامة شرع الله وإعلاءُ كلمته،

وسياسة الدُّنيا بالدِّين، وحِفظ حدود الله ودينه وحقوق عبادِه، فالخلافة نيابةٌ عن النُّبوة في حراسة الدِّين وسياسة الدُّنيا به، وليست مجرَّد وظيفة.




قال الماورديُّ: "الإمامة موضوعةٌ لِخلافة النُّبوة في حراسة الدِّين وسياسة الدُّنيا، وعقدها لِمن يقوم بها في الأُمَّة واجب"[1].



وقال ابن تيميَّة: "فالمقصود الواجب بالولايات: إصلاح دين الخَلْق، الذي متى فاتَهم خسروا خسرانًا مبينًا، ولم ينفعهم ما نعموا به من الدُّنيا، وإصلاح ما لا يقوم الدِّين إلاَّ به من أمر دنياهم"[2].



فكيف يُظنُّ بكافر لا يؤمن بالإسلام دينًا أن يقوم بهذه الوظيفة؟! وكيف نضع أمانةَ حِراسة الدِّين بين يدَيْ مَن يكفر به؟



ثانيًا: أن النُّصوص الشرعية

دلَّت على أن الإمامة لا تنعقد لكافر ابتداءً، وأنَّه لو طرأ عليه الكفر بعد توَلِّيه، فإنه ينعزل وتَسقط ولايته.






قال الله تعالى: ﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 141].





قال القاضي ابن العربيِّ: "إنَّ الله سبحانه لا يَجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً بالشَّرع، فإن وجد فبِخلاف الشرع"[3].







وقال الله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ [النساء: 59]،


فدلَّ بقوله: ﴿ مِنْكُمْ ﴾ على أنَّ أولي الأمر يجب أن يكونوا من المسلمين المؤمنين؛ لأنَّ الخِطاب متوجِّه إليهم من بداية الآية.








وقال الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [آل عمران: 118].









قال القرطبيُّ: "نَهى الله المؤمنين بِهذه الآية أن يَتَّخِذوا من الكُفَّار واليهود وأهل الأهواء دُخلاءَ ووُلَجاء يُفاوضونهم في الآراء، ويُسندون إليهم أمورَهم"[4].







فكيف باتِّخاذهم حكامًا وولاةً للأمور؟!

وقال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النساء: 144].



قال ابن كثير: "يَنهى تعالى عباده المؤمنين عن اتِّخاذ الكافرين أولياءَ من دون المؤمنين؛ يَعني: مصاحبَتَهم، ومُصادقتهم، ومناصحتهم، وإسرارَ المودَّةِ إليهم، وإفشاءَ أحوال المؤمنين الباطنةِ إليهم"[5].







وقال القرطبيُّ: "أيْ: لا تجعلوا خاصَّتَكم وبِطانتكم منهم"[6].



فإن كانت مصادقتُهم وإفشاءُ أحوال المؤمنين الباطنةِ إليهم، وجعْلُهم من الخَواصِّ - من صور الموالاة التي نَهت عنها الآية، فلا ريب أنَّ توليتهم أمْرَ المسلمين، وجعْلَهم حكامًا عليهم من أظهر صُوَر الموالاة لهم وأشَدِّها تحريمًا.



وعن عُبَادة بن الصَّامت



قال: "دعانا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فبايَعناه، فكان فيما أخذَ علينا أنْ بايعَنَا على السَّمع والطاعة في منشَطِنا ومَكرهِنا، وعُسرنا ويُسرنا، وأثَرَةٍ علينا، وأن لا نُنازِع الأمر أهلَه، قال: ((إلاَّ أن ترَوْا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان))"[7].









قال القاضي عياض: "فلو طرأَ عليه كُفرٌ وتغيير للشَّرع، أو بدعةٌ، خرجَ عن حكم الولاية، وسقطَت طاعته، ووجب على المسلمين القيامُ عليه وخَلْعُه، ونصب إمام عادلٍ إن أمكنَهم ذلك، فإن لم يقع ذلك إلاَّ لطائفةٍ وجب عليهم القيامُ بِخَلع الكافر"[8].




ثالثًا: أنَّ إجماع المسلمين

منعقِدٌ على اعتبار شرط الإسلام فيمن يتولَّى حكم المسلمين وولايتهم، وأنَّ الكافر لا ولاية له على المُسلم بحال.








قال القاضي عياض: "أجمع العلماءُ على أنَّ الإمامة لا تنعقد لكافر، وعلى أنَّه لو طرأ عليه الكفر انعزل، وكذا لو ترك إقامةَ الصَّلوات والدُّعاءَ إليها"[9].



وقال ابن المنذِر: إنَّه قد "أجمع كلُّ مَن يُحفَظ عنه مِن أهل العلم أنَّ الكافر لا ولايةَ له على المسلم بِحال"[10].







وقال ابن حَزم: "واتَّفقوا أنَّ الإمامة لا تجوز لامرأةٍ ولا لكافر ولا لصبِي"[11].








وقال ابن حجَر: إنَّ الإمام "ينعزل بالكفر إجماعًا، فيَجِب على كلِّ مسلمٍ القيامُ في ذلك، فمَن قوي على ذلك فله الثَّواب، ومَن داهن فعليه الإثم، ومن عَجز وجبَتْ عليه الهجرةُ من تلك الأرض"[12].







رابعًا: رجَّح جمهورُ العلماء

أنَّ فِسق الحاكم فسقًا ظاهرًا معلومًا يؤدِّي لِسُقوط ولايته، ويكون مسوِّغًا للخروج عليه عند أمن إراقة الدِّماء وحدوث الفِتَن؛ وذلك لأنَّ فسقه قد يُقْعِده عن القيام بواجباته الشَّرعية؛ من إقامة الحدود، ورعاية الحقوق، وحِفظ دين رعيَّتِه ومعاشهم.








قال القرطبِيُّ: "الإمام إذا نُصِّب ثم فسَق بعدَ انبِرام العقد، فقال الجمهورُ: إنَّه تنفسخ إمامتُه ويُخلَع بالفسق الظَّاهر المعلوم؛ لأنَّه قد ثبت أنَّ الإمام إنَّما يُقام لإقامة الحدود، واستيفاء الحقوق، وحِفظ أموال الأيتام والمَجانين، والنظر في أمورهم إلى غير ذلك...، وما فيه من الفسق يقعده عن القيام بهذه الأمور والنُّهوض بها.





فلو جوَّزنا أن يكون فاسقًا، أدَّى إلى إبطال ما أقيم لأجلِه، ألا تَرى في الابتداء إنَّما لم يَجُز أن يعقد للفاسق لأجل أنَّه يؤدِّي إلى إبطال ما أقيم له، وكذلك هذا مثله"[13].







فإن كان هذا قولَهم في حاكمٍ له ولاية وبيعة، ثم طرأ عليه الفِسق، فكيف بكافرٍ أصلي لا بيعةَ له ولا ولاية؟ كيف يَستقيم في شرعٍ أو عقل أن تُعطى الولاية وحكم المسلمين ابتداءً لكافرٍ أصلي؟





خامسًا:


أنَّ ما استَدلَّ به أولئك المُفتون بِجواز ولاية الكافر لا دلالة فيه مطلقًا، ولا يَصلح معارضًا للأدلَّة الصريحة الصحيحة المُخالفة لهم.


وصلَّى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسولِه محمدٍ خير الأنام، وعلى آله وأزواجه وأصحابِه ومَن تَبِعهم بإحسان.


******************************************


[1] "الأحكام السُّلطانية"، ص5.

[2] "السياسة الشَّرعية"، ص13.
[3] "أحكام القرآن" (1/ 641)، وانظر: تفسير "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (5/ 421).
[4] تفسير "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (4/ 179).
[5] "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (1/ 867).
[6] تفسير "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (5/ 425).
[7] "مسلم" (3427).


الراوي: عبادة بن الصامت المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 1840
خلاصة حكم المحدث: صحيح


[8] "شرح صحيح مسلم" للنووي (6/ 314).
[9] "شرح صحيح مسلم" للنووي (6/ 315).
[10] نقله عنه ابن القيم في "أحكام أهل الذِّمَّة" (2/ 787).
[11] "مراتب الإجماع" ص208، ولم يتعقبه ابن تيميَّة في نقد مراتب الإجماع؛ مما يدلُّ على موافقتِه له.
[12] "فتح الباري" (13/ 123).


[13] "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 271).



منقول جزء بتصرف يسير

موقع الألوكة الشرعية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق