تأكد قبل أن تنشر....

"من سلك طريقا يبتغي فيه علما ، سلك الله به طريقا إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم ، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ، ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد ، كفضل القمر على سائر الكواكب ، إن العلماء ورثة الأنبياء ، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ، ولا درهما ، إنما ورثوا العلم ، فمن أخذ به فقد أخذ بحظ وافر"
الراوي: أبو الدرداء المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2682-خلاصة حكم المحدث: صحيح

الثلاثاء، 22 أبريل 2014

(39)البشائر من يثرب وبيعتا العقبة

(39)22جمادى الآخرة1435
22-4-2014

البشائر من يثرب
وبيعتا العقبة

من :الأغصان الندية
شرح الخلاصة البهية
في ترتيب أحداث السيرة النبوية
من البعثة إلى الهجرة (6)



15- وفي السَّنة الحادية عشرة من البعثة: عرَض نفسه الكريمةَ على القبائل في موسم الحجِّ كعادته، فآمن به ستَّةٌ من رؤساء الأنصار، ورجعوا إلى المدينة، ففشا فيهم الإسلام.

الشرح
 كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم
يستغلُّ مواسم الحجِّ وإقبالَ الناس وتوافُدَهم إلى بيت الله الحرام للدَّعوة إلى دينه ورسالته؛ لعلَّ أحدًا يستجيب له، فيُؤْويه ويَنصره بعدما كذبه قومه.

عَن جابِرٍ - رضي الله عنه - قال: مكث رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بمكَّة عشر سنين، يتَّبع الناس في منازلهم بعكاظٍ ومجنَّة، وفي المواسم بِمِنًى، يقول: ((مَن يُؤْويني؟ من ينصرني حتَّى أبلغ رسالة ربِّي، وله الجنة؟))، حتى إن الرجل ليخرج من اليمن أو من مُضَر، فيأتيه قومُه، فيقولون: احذر غُلامَ قريشٍ لا يفتنك! ويمشي بين رجالهم، وهم يشيرون إليه بالأصابع، حتَّى بعثَنا الله إليه من يثرب، فآويناه وصدَّقْناه، فيخرج الرجل منَّا، فيؤمن به ويُقْرِئه القرآن، فينقلب إلى أهله، فيُسْلِمون بإسلامه، حتَّى لم يَبْق دارٌ من دور الأنصار إلاَّ وفيها رهطٌ من المسلمين يُظْهِرون الإسلام[1].
-جزء من حديث سيأتي بعد-
عن طارق بن عبدالله المحاربيرضي الله عنه (رأيتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلَى آلِه وسلَّمَ مرَّ في سوقِ ذي المَجازِ وعليهِ حلَّةٌ حمراءُ وَهوَ يقولُ : يا أيُّها النَّاسُ قولوا لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ تُفلِحوا ورجلٌ يتَّبعُهُ يرميهِ بالحجارةِ قَد أدمَى كَعبَيهِ وعُرقوبَيهِ وَهوَ يقولُ يا أيُّها النَّاسُ لا تُطيعوهُ فإنَّهُ كذَّابٌ فقُلتُ مَن هذا قالوا غُلامُ بَني عبدِ المطَّلبِ فقُلتُ مَن هذا الَّذي يتَّبعُهُ يرميهِ بالحجارةِ قالوا هذا عبدُ العُزَّى أبو لهبٍ)

غديرتان: تثنية غديرة؛ أيْ: ذُؤَابة، وهي الشَّعر المضفور الذي أُدخل بعضه في بعض
الراوي: طارق بن عبدالله المحاربي المحدث: الوادعي - المصدر: الصحيح المسند - الصفحة أو الرقم: 516-خلاصة حكم المحدث: صحيح-


 وكان من القبائل التي عرَض النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم - نفْسَه عليها؛ قبيلة كِنْدة، وبطنٌ من بني كلب يُقال لهم: بنو عبد الله، وبنو حنيفة، وبنو عامر بن صَعْصعة، ومُحارب بن خصفة، وفَزارة، وغسَّان، ومُرَّة، وسُليم، وعَبْس، وبنو نضر، والحارث بن كعب، وعذرة، والحضارمة، فلم يستَجِب منهم أحد.

فقال له سويدٌ: فلعلَّ الذي معك مثل الذي معي؛ فقال له رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اعرضها عليَّ))، فعرضها عليه؛ فقال له: ((إنَّ هذا لكلام حسن؛ والذي معي أفضل منه؛ قرآنٌ أنزله الله تعالى عليَّ هو هُدًى ونور))،
فتلا عليه رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - القرآنَ ودعاه إلى الإسلام، فلم يبعُد منه، وقال: إنَّ هذا لقول حسن، ثم انصرف عنه، فقدم المدينة على قومه، فلم يلبث أن قتله الخزرج، فإن كان رجالٌ من قومه ليقولون: إنا لنراه قد قُتِل وهو مسلم، وكان قتْلُه "سيرة ابن هشام" 2/ 21. [5] قبل يوم بعاث


وعرض النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - نفسه على بني عبدالأشهل
 حيث قَدِموا يلتمسون الحِلْف من قريش على قومهم من الخزرج، فعرض عليهم الإسلام، وقال لهم: ((هل لكم في خيرٍ مِمَّا جئتم له؟)) فقالوا له: وما ذاك؟ قال: ((أنا رسول الله، بعثني إلى العباد، أدعوهم إلى أن يعبدوا الله، ولا يُشْركوا به شيئًا، وأنزل عليَّ الكتاب))، قال: ثم ذَكَر لهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن، قال: فقال إياس بن معاذٍ، وكان غلامًا حدثًا: أيْ قوم، هذا والله خيرٌ مما جئتم له، قال: فأخذ أبو الحيسر أنس بن رافع حفنةً من تراب البطحاء، فضرب بها وجه إياس بن معاذ، وقال: دعنا منك، فلعمري لقد جئنا لغير هذا، قال: فصمَت إياسٌ، وقام رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عنهم، وانصرفوا إلى المدينة، وكانت وقعة بعاث بين الأوس والخزرج.


 قال: ثم لم يلبث إياس بن معاذٍ أن هلك، قال محمود بن لبيد: فأخبرني مَن حضره من
قومه عند موته أنَّهم لم يزالوا يَسمعونه "
سيرة ابن هشام" 2/ 21 [2].يُهلِّل الله تعالى ويكبِّرُه، ويَحْمده ويسبِّحه، حتَّى مات، فما كانوا يشكُّون أنْ قد مات مسلمًا

فلمَّا أراد الله - عزَّ وجلَّ - إظهارَ دينه، وإعزاز نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - خرج رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يعرض نفسه على القبائل كعادته، فالتقى برهطٍ من الخزرج أراد الله بهم خيرًا.

وعن أشياخ من قوم عاصم بن قتادة :-
(لمَّا لقيَهُم رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ قالَ لَهُم: من أنتُمْ ؟ قالوا: نفَرٌ منَ الخزرجِ، قالَ: مِن موالي يَهودَ ؟ قالوا: نعَم، قالَ: أفلا تجلسونَ أُكَلِّمَكُم ؟ قالوا: بلَى، فجلَسوا معَهُ، فدعاهم إلى اللَّهِ وعرضَ عليهمُ الإسلامَ، وتلا عليهمُ القرآنَ... قال فأجابوهُ فيما دعاهُم إليهِ بأن صدَّقوهُ، وقبلوا منهُ ما عَرضَ عليهم منَ الإسلامِ، وقالوا لَهُ: إنَّا قد ترَكْنا قومَنا، ولا قومَ بينَهُم منَ العداوةِ والشَّرِّ ما بينَهُم، وعسَى أن يجمعَهُمُ اللَّهُ بِكَ، فسنَقدُمُ عليهِم، فندعوهُم إلى أمرِكَ، ونعرِضُ عليهمُ الَّذي أجبناكَ إليهِ من هذا الدِّينِ، فإن يجمعَهُمُ اللَّهُ عليكَ، فلا رجلَ أعزُّ منكَ ثمَّ انصرفوا راجعينَ إلى بلادِهم قد آمنوا وصدَّقوا)

الراوي: أشياخ من قوم عاصم بن قتادة المحدث: الألباني - المصدر: فقه السيرة - الصفحة أو الرقم: 146
خلاصة حكم المحدث: إسناده حسن

وعنهم أيضا:(إنَّ ممَّا دعانا إلى الإسلامِ – معَ رحمةِ اللهِ تعالى وهُداهُ لنا – لمَّا كنَّا نسمعُ مِن رجالِ اليهودِ وكنَّا أهلَ شِركٍ أصحابَ أوثانٍ وكانوا أهلَ كتابٍ عندَهم علمٌ لَيسَ لنا وكانت لا تزالُ بَينَنا وبينَهم شرورٌ فإذا نِلنا مِنهم بعضَ ما يكرهونَ قالوا لنا إنَّهُ قد تقاربَ زمانُ نبيٍّ يُبعثُ الآنَ نقتلُكم معهُ قتلَ عادٍ وإرمَ فكنَّا كثيرًا ما نسمعُ ذلكَ منهم فلمَّا بعثَ اللهُ رسولَه صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلَى آلِه وسلَّمَ أجبناهُ حينَ دعانا إلى اللهِ تعالى وعرَفنا ما كانوا يتَوعَّدونَنا بهِ فبادَرناهُم إليهِ فآمنَّا بهِ وكفروا بهِ ففينا وفيهم نزلَت هذه الآياتُ مِن البقرةِ "وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ")

الراوي: رجال من قوم عاصم بن عمر المحدث: الوادعي - المصدر: صحيح أسباب النزول - الصفحة أو الرقم: 26
خلاصة حكم المحدث: حسن

ثم انصرفوا عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - راجعين إلى بلادهم، وقد آمنوا وصدَّقوا، وهم ستَّة نفر جميعهم من الخزرج:
1- أسعد بن زرارة بن عُدَي، أبو أُمامة.

2- عوف بن الحارث بن رفاعة، وهو ابن عفراء.

3- رافع بن مالك بن العَجْلان.

4- قطبة بن عامر بن حَديدة.

5- عقبة بن عامر بن نابي.

6- جابر بن عبدالله بن رِئَاب[3].
عزوهم: غلبوهم وقهروهم
[3] "سيرة ابن هشام" 2/ 21، 23 مختصرًا.


عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت:

 (كان يومُ بُعاثٍ يومًا قدَّمَه اللهُ لرسولِه صلى الله عليه وسلم ، فقَدِمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وقد افتَرَقَ مَلَؤُهم ، وقُتِلَتْ سَرَوَاتُهم وجُرِّحوا ، فقَدَّمَه اللهُ لرسولِه صلى الله عليه وسلم في دخولِهم في الإسلام) سرواتهم: أشرافهم

الراوي: عائشة أم المؤمنين المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3777
 [4]خلاصة حكم المحدث: [صحيح]

قال ابن حجر:

(كان يوم بُعاث) به وقعةٌ بين الأوس والخزرج, فقُتِل فيها كثيرٌ منهم، وكان رئيس الأوس فيه حضير والد أسيد بن حضير، وكان يُقال له: حضير الكتائب، وبه قتل, وكان رئيس الخزرج يومئذٍ عمرو بن النعمان البياضي، فقتل فيها أيضًا, وكان النصر فيها أولاً للخزرج، ثم ثبَّتهم حضير، فرجعوا، وانتصرت الأوسُ وجُرِح حضير يومئذٍ فمات فيها, وذلك قبل الهجرة بخمس سنين، وقيل: بأربعٍ، وقيل: بأكثر، والأول أصحُّ, 

وذكر أبو الفرج الأصبهاني أنَّ سبب ذلك أنه كان من قاعدتهم أنَّ الأصيل لا يُقتَل بالحليف, فقتَلَ رجلٌ من الأوس حليفًا للخزرج, فأرادوا أن يقيدوه فامتنعوا, فوقعَتْ عليهم الحرب لأجل ذلك, فقُتِل فيها من أكابرهم مَن كان لا يؤمن؛ أيْ: يتكبَّر ويأنف أن يدخل في الإسلام؛ حتَّى لا يكون تحت حكم غيره, وقد كان بقي منهم من هذا النحو عبدالله بن أُبَيِّ بن سلول، وقصته في ذلك مشهورة، مذكورةٌ في هذا الكتاب وغيره[5]؛ اهـ.
*********************************


1] حسن: أخرجه أحمد 3/ 322، قال ابن حجر في "فتح الباري" 7/ 222: إسناده حسن.
[2] صحيح: أخرجه أبو داود (3734)، كتاب: السنة، باب: في القرآن، الترمذي (2934) كتاب: فضائل القرآن، باب: رقم (24)، ابن ماجه (201) في المقدمة، باب: فيما أنكرت الجهمية، أحمد 3/ 390، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
.
[2] "سيرة ابن هشام" 2/ 21.
[] عزوهم: غلبوهم وقهروهم.
[3] "سيرة ابن هشام" 2/ 21، 23 مختصرًا.
[4] صحيح: أخرجه البخاري (3777)، كتاب: مناقب الأنصار، باب: مناقب الأنصار، سرواتهم: أشرافهم.
[5] "فتح الباري" 7/ 138، 139.

***************************************

7- وفي موسم الحج من هذه السَّنَة: وافاه اثنا عشرَ رجلاً من الأنصار، بعضُهم ممن لقي النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الموسم السابق، فبايعوه عند العقبَة، فسُمِّيت بِبَيعة العقبة الأولى، وأرسل معهم مصعب بن عمير يُقْرِئهم القرآن، فأسلمَ على يديه كثيرٌ من أهل المدينة.


الشرح:
فلمَّا كان موسمُ الحجِّ من العام الثاني عشر من البعثة؛ أيْ: بعد عامٍ فقط من التقاء النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالأنصاريِّين الستَّة، أقبل على رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وفدٌ من الأنصار، قوامه اثنا عشر رجلاً:
عشرة من الخزرج وهم:
1- أسعد بن زرارة.

2- عوف بن الحارث بن رفاعة ابن عَفْراء.

3- رافع بن مالك بن العجلان.

4- قُطبة بن عامر بن حديدة.

5- عُقْبة بن عامر بن نابي.

6- معاذ بن الحارث بن عَفْراء.

7- ذَكْوان بن عبد قيس.

8- عبادة بن الصَّامت.

9- يزيد بن ثعلبة.

10- العباس بن عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان.

واثنان من الأوس وهم:
11 - أبو الهيثم بن التَّيِّهان، واسمه مالك[1].
التَّيهان: يخفف ويثقل، كقوله: ميِّت ومَيْت؛


12 - عُويم بن ساعدة[2].

لَم يتخلَّف من الستة الأُوَل إلاَّ جابر بن عبدالله بن رئاب فقط.

فبايع هذا الوفدُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بيعة العقبة الأولى.

- يقول عُبَادة بن الصَّامت - رضي الله عنه وكان ممن شهد البيعة:
 (إني لمن النُّقباء الذين بايعوا رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقال: بايَعْناه على ألا نشرك بالله شيئًا، ولا نَزْني، ولا نسرق، ولا نقتل النَّفْس التي حرَّم الله إلا بالحقِّ، ولا ننتهب، ولا نَعْصي؛ فالجَنَّة إن فعَلْنا ذلك، فإن غَشِينا من ذلك شيئًا، كان قضاءُ ذلك إلى الله)
 الراوي: عبادة بن الصامت المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 1709
خلاصة حكم المحدث: صحيح [3].

وفي روايةٍ قال عُبادة - رضي الله عنه
 أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((تعالَوْا بايِعُوني على ألا تُشْرِكوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تَزْنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتانٍ تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوني في معروفٍ، فمن وفَّى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئًا فعُوقب به في الدُّنيا فهو له كفارةٌ، ومن أصاب من ذلك شيئًا فستره الله، فأَمْرُه إلى الله؛ إن شاء عاقبه، وإن شاء عفا عنه))، قال: فبايعتُه على ذلك –البخاري (3892)[4].

أول سفير في الإسلام :

فانطلق القومُ - بعد ذلك - عائدين إلى المدينة المنوَّرة، فأرسل معهم النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - مصعب بن عمير - رضي الله عنه - وأمره أن يقرئهم القرآن، ويعلِّمهم الإسلام، ويُفقِّهَهم في الدين، فكان مصعب يُسمَّى في المدينة بالمقرئ.

وكان مَنْزله على أسعد بن زرارة، وكان يصلِّي بهم؛ وذلك أنَّ الأوس والخزرج كره بعضُهم أن يؤمَّه بعض[5]&


أوَّل جمعة بالمدينة المنورة وإمامها :

قام سفير الإسلام مصعب بن عمير بمهمَّته على أكمل وجه؛ فدعا إلى دين الله - عزَّ وجلَّ - وأقرأ الناس وعلَّمَهم وفقَّههم في الدين، وانتشر الإسلامُ بالمدينة، فأُقِيمت أوَّلُ جمعة في الإسلام بالمدينة المنورة، وأمَّ المسلمين فيها أسعدُ بن زرارة - رضي الله عنه[6].،،

رُوي عن عبدالرحمن بن كعب بن مالكٍ - وكان قائدَ أبيه بعدما ذهبَ بصَرُه - عن أبيه كعب بن مالكٍ
الرواية هنا لكعب بن مالكٍ رضي الله عنه :((كان إذا سمع النِّداء يوم الجمعة، ترحَّمَ لأسعدَ بن زرارة، فقلتُ له: إذا سمعتَ النداء ترحَّمْتَ لأسعد بنِ زرارة؟ قال: لأنه أوَّل من
جمَّعَ بنا في هزمِ النَّبيتِ(7) من حَرَّةِ بني بياضةَ(8) في نقيعٍ (9)يقالُ لَهُ نقيعُ الخضمات(10) قلتُ: كم أنتم يومئذٍ قالَ أربعون)) [11].

الراوي: كعب بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 1069
خلاصة حكم المحدث: حسن

الهَزْم: المنخفض من الأرض، والنبيت: موضع.7
حَرَّة - بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء -: هي الأرض ذات الحجارة السود.
هو المنخفض من الأرض يستنقع فيه الماء. نقيعٍ
نقيع الخَضَمات: موضع بنواحي المدينة.

*******************************


18- وفي السنة الثالثة عشرة من البعثة في موسم الحج: وافاه سبعون رجلاً من الأنصار، فبايعوه عند العقَبة أيضًا؛ على أنْ يمنعوه إنْ هاجر إليهم مِمَّا يمنعون منه أنفسهم ونساءهم وأبناءهم، فأخرجوا له اثني عشر نقيبًا، فقال
((أنتم على قومكم كُفَلاء)) - صلَّى الله عليه وسلَّم - للنُّقَباء:
، فسُمِّيت ببيعة العقبة الثانية

الشرح:

ثم كانت بيعة العقبة الثانية في الموسم التالي مباشرة.
يقول جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - وكان مِمَّن شهد هذه البيعة:-
(مكث رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بمكةَ عشرَ سنينَ يتبعُ الناسَ في منازلِهم بعكاظٍ ومِجنَّةَ وفي المواسمِ بمِنًى يقول مَن يُؤويني من ينصرُني حتى أبلغَ رسالةَ ربِّي وله الجنةُ ؟ حتى إنَّ الرجلَ لَيخرجُ من اليمنِ أو من مُضرٍ كذا قال فيأْتيه قومُه فيقولون احذرْ غلامَ قريشٍ لا يفتِنُك ويمشي بين رحالِهم وهم يشيرون إليه بالأصابع حتى بعثَنا اللهُ إليه من يثربٍ فآويناه وصدَّقناه فيخرجُ الرجلُ منَّا فيؤمنُ به ويُقرئُه القرآنَ فينقلبُ إلى أهلِه فيُسلِمون بإسلامِه حتى لم يبقَ دارٌ من دورِ الأنصارِ إلا وفيها رهطٌ من المسلمين يُظهِرون الإسلامَ ثم ائتمروا جميعًا فقلنا : حتى متى نترك رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يُطردُ في جبالِ مكةَ ويُخافُ ؟ فرحل إليه منا سبعون رجلًا حتى قدِموا عليه في الموسمِ فواعدْناه شِعبَ العقبةِ فاجتمعْنا عليه من رجلٍ ورجلَينِ حتى توافَينا فقُلْنا يا رسولَ اللهِ نبايعُك قال : تبايعُوني على السَّمعِ والطاعةِ في النَّشاطِ والكسلِ والنفقةِ في العُسرِ واليُسرِ وعلى الأمرِ بالمعروف والنهي عنِ المنكرِ وأن تقولوا في اللهِ لا تخافون في اللهِ لومةَ لائمٍ وعلى أن تنصُروني فتمنعُوني إذا قدمتُ عليكم مما تمنعون منه أنفسَكم وأزواجَكم وأبناءَكم ولكم الجنَّةُ قال : فقُمنا إليه فبايعْناه وأخذ بيده أسعدُ بنُ زُرارةَ وهو من أصغرِهم فقال : رُويدًا يا أهلَ يثربَ فإنا لم نضربْ أكبادَ الإبلِ إلا ونحن نعلمُ أنه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وأنَّ إخراجَه اليومَ مفارقةُ العربِ كافَّةً وقتلُ خيارِكم وأنْ تعضَّكم السُّيوفُ فإما أنتم قومٌ تصبرون على ذلك وأجرُكم على اللهِ وإما أنتم قومٌ تخافون من أنفسِكم جبينةً فبيِّنوا ذلك فهو عذرٌ لكم عند اللهِ قالوا : أمِطْ عنا يا أسعدُ فواللهِ لا ندعُ هذه البيعةَ أبدًا ولا نُسلبَها أبدًا قال : فقمْنا إليه فبايعْناه فأخذ علينا وشرطَ ويُعطينا على ذلك الجنةَ)

الراوي: جابر بن عبدالله المحدث: الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم: 1/133
خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح على شرط مسلم


عن كعب بن مالك رضي الله عنه

(نِمنا تلكَ الليلَةَ – ليلةَ العقَبَةِ – مع قومِنا في رحالِنا ، حتَّى إذا مضى ثُلثُ اللَّيلِ ، خرَجنا مِن رحالِنا لميعادِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ ، نتسلَّلُ تَسلُّلَ القَطا مُستَخفينَ ، حتَّى اجتمَعنا في الشِّعبِ عندَ العَقبَةِ ، ونحنُ ثلاثةٌ وسَبعون رجُلًا ، ومعَنا امرأتانِ من نسائِنا ، نَسيبَةُ بنتُ كَعبٍ وأسماءُ بنتُ عمرِو بنِ عدِيٍّ . فلمَّا اجتمَعنا في الشِّعبِ ننتَظِرُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ ،
 جاءَنا ومعَهُ العبَّاسُ بنُ عبدِ المطَّلِبِ ، وهو يومَئذٍ علَى دينِ قومِهِ ، إلَّا أنَّهُ أحبَّ أن يحضُرَ أمرَ ابنَ أخيهِ ويستوثِقَ لهُ ،
 فلمَّا جلَس كان أوَّلَ متكَلِّمٍ ، قال : يا معشَرَ الخَزرَجِ إنَّ محمَّدًا منَّا حيثُ قد علِمتُم ، وقد منَعناهُ مِن قومِنا مِمَّنْ هو علَى مثلِ رأينا فيهِ ، فهو في عزَّةٍ من قومِه ومنَعَةٍ في بلدِهِ ، وإنَّهُ قد أبى إلَّا الانحيازَ إليكُم واللُّحوقَ بكُم ، فإن كنتُم تَرَونَ أنَّكُم وافونَ لهُ بما دَعوتُموه إليهِ ، ومانِعوهُ ممَّن خالَفَهُ ، فأنتُم وما تحمَّلتُم من ذلكَ ! ! وإِن كنتُم ترَون أنَّكُم مُسلِموهُ وخاذِلوهُ بعدَ الخروجِ إليكُم ، فمِنَ الآنَ فدَعوهُ فإنَّهُ في عزَّةٍ ومنعَةٍ مِن قومِهِ وبلَدِهِ . . .

 قال كعبٌ : فقُلنا لهُ : قَد سمِعنا ما قلتَ فتكَلَّم يا رسولَ اللهِ ، فخُذ لنَفسِكَ وربِّكَ ما أحبَبتَ ،
 فتكلَّمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ ، فتلَا القُرآنَ ، ودعا إلى اللهِ ، ورغَّبَ في الإسلامِ ، ثُمَّ قالَ : أبايعُكُم علَى أَن تمنَعوني مِمَّا تمنعونَ منهُ نساءَكُم وأبناءكُمْ .
قال كعبٌ : فأخذَ البراءُ بنُ مَعرورٍ بيدِهِ وقالَ : نعَم ، فوالَّذي بعثَكَ بالحقِّ لنمنعنَّكَ ممَّا نمنَعُ أزُرَنا ، فبايِعنا يا رسولَ اللهِ ، فنحنُ – واللهِ - أبناءُ الحروبِ ، ورِثناها كابرًا عن كابرٍ ،
فاعتَرضَ هذا القولَ – والبراءُ يكلِّمُ رسولَ اللهِ صل اللهُ علَيهِ وسلَّمَ - أبو الهيثَمِ بنُ التَّيهانِ فقالَ : يا رسولَ اللهِ ، إن بَيننا وبينَ الرِّجالِ – يعني اليهودَ – حبالًا وإنَّا قاطعوها ، فهل عَسيتَ إن فَعلنا ذلكَ ثمَّ أظهرَكَ اللهُ أن ترجِعَ إلى قومِكَ وتدَعَنا
 قالَ : فتبسَّمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ ، ثم قال : بلِ الدَّمَ الدَّمَ والهدمَ الهدمَ ، أنا منكُم وأنتُم مِنِّي ، أحارِبُ مَن حاربتُم وأسالِمُ مَن سالمتُم . . . وأمرَهُم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ أن يُخرِجوا منهُم اثنَي عَشرَ نقيبًا يكونونَ علَى قومِهم بما فيهِم ، فأخرجوا منهُم النُّقباءَ ، تِسعةً من الخزرَجِ وثلاثةً مِن الأَوسِ) .

الراوي: كعب بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: فقه السيرة - الصفحة أو الرقم: 149
خلاصة حكم المحدث: صحيح

وعن كعب بن مالك - رضي الله عنه - قال:

 (خَرَجْنَا في حُجَّاجِ قَوْمِنَا من المُشْرِكِينَ وقَدْ صَلَّيْنَا فُقِّهْنَا معنا البراءُ بنُ مَعْرُورٍ كبيرُنَا وسَيِّدُنَا فَلمَّا تَوَجَّهْنَا لِسَفَرِنَا وخَرَجْنَا من المَدِينَةِ قال البَرَاءُ لنا يا هؤلاءِ إنِّي قَدْ رَأَيْتُ - واللهِ - رَأْيًا وإِنِّي - واللهِ - ما أَدْرِي تُوَافِقُونِي عليْه أَمْ لا ؟ قُلْنَا لَهُ ومَا ذَاكَ؟ قال إنِّي قَدْ رَأَيْتُ أنْ لا أَدَعَ هذه البِنْيَةَ مِنِّي بِظَهْرٍ - يَعْنِي الكَعْبَةَ - وأَنْ أُصَلِّيَ إِلَيْهَا قال فَقُلْنَا واللهِ ما بَلَغَنَا أَنَّ نَبِيَّنَا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُصَلِّي إِلَّا إلى الشَّامِ ومَا نُرِيدُ أنْ نُخالِفَهُ قال فَقُلْنَا لَكِنَّا لا نَفْعَلُ قال وكُنَّا إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ صَلَّيْنَا إلى الشَّامِ وصَلَّى إلى الكَعْبَةِ حتى قَدِمْنَا مَكَّةَ قال أَخِي وقَدْ كُنَّا قَدْ عَتَبْنَا عليْه ما صَنَعَ وأَبَى إِلَّا الإِقَامَةَ عليْه فَلمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قال يا ابنَ أَخِي انْطَلِقْ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتى أَسْأَلَهُ عَمَّا صَنَعْتُ في سَفَرِي هذا فَإِنَّهُ واللهِ قَدْ وقَعَ في نَفْسِي مِنْهُ شيءٌ لِمَا رَأَيْتُ من خِلَافِكُمْ إِيَّايَ فِيهِ قال فَخَرَجْنَا نَسْأَلُ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وكُنَّا لا نَعْرِفُهُ لَمْ نَرَهُ من قَبْلُ فَلَقِيَنَا رَجُلٌ من أَهْلِ مَكَّةَ فَسَأَلْنَاهُ عن رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليْه وسَلَّمَ فقال هل تَعْرِفَانِهِ؟ قُلْنَا لا قال فهل تَعْرِفَانِ العَبَّاسَ بنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ عَمَّهُ؟ قُلْنَا نَعَمْ قال وقَدْ كُنَّا نَعْرِفُ العَبَّاسَ كَانَ لا يَزَالُ يَقْدَمُ عَلَيْنَا تاجِرًا قال فَادْخُلَا المَسْجِدَ فَهُوَ الرَّجُلُ الجَالِسُ مع العَبَّاسِ قال فَدَخَلْنَا المَسْجِدَ فإذا العَبَّاسُ جَالِسٌ ورَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَعَهُ جَالِسٌ فَسَلَّمْنَا ثمَّ جَلَسْنَا إليه.

فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِلْعَبَّاسِ هل تَعْرِفُ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ يا أَبا الفَضْلِ؟ قال نَعَمْ هذا البَرَاءُ بنُ مَعْرُورٍ سَيِّدُ قَوْمِهِ وهَذَا كَعْبُ بنُ مَالِكٍ قال فَوَاللَّهِ ما أَنْسَى قَوْلَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الشَّاعِرُ؟ قال نَعَمْ قال فقال البَرَاءُ بنُ مَعْرُورٍ يا نَبِيَّ اللهِ إنِّي خَرَجْتُ في سَفَرِي هذا وقَدْ هَدَانِي اللهُ لِلْإِسْلَامِ فَجَعَلْتُ لا أَجْعَلُ هذه البِنْيَةَ مِنِّي بِظَهْرٍ فَصَلَّيْتُ إِلَيْهَا وقَدْ خالَفَنِي أَصْحابِي في ذلك حتى وقَعَ في نَفْسِي من ذلك شيءٌ فَمَا تَرَى يا رسولَ اللَّهِ؟ قال لقد كُنْتَ على قِبْلَةٍ لَوْ صَبَرْتَ عَلَيْهَا قال فَرَجَعَ البَرَاءُ إلى قِبْلَةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَصَلَّى مَعَنَا إلى الشَّامِ قال وأَهْلُهُ يُصَلُّونَ إلى الكَعْبَةِ حتى مَاتَ ولَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِهِ مِنْهُمْ قَالَ وخَرَجْنَا إلى الحَجِّ فَوَاعَدْنَا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ العَقَبَةَ في أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَلمَّا فَرَغْنَا من الحجِّ وكانَتِ الليْلَةُ التي وعَدْنَا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ومعنا عبدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بنِ حرامٍ أَبُو جَابِرٍ سَيِّدٌ من سَادَتِنَا وكُنَّا نَكْتُمُ من قَوْمِنَا من المُشْرِكِينَ أَمْرَنَا فكَلَّمْنَاهُ فقُلْنَا لهُ يا أبا جَابِرٍ إِنَّكَ سَيِّدٌ من سَادَتِنَا وشَرِيفٌ من أَشْرَافِنَا وإِنَّا نَرْغَبُ بِكَ عَمَّا أَنْتَ فِيهِ أنْ تَكُونَ حَصَبًا لِلنَّارِ غَدًا ثمَّ دَعَوْتُهُ إلى الإِسْلَامِ وأَخْبَرْتُهُ بِمِيعَادِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَأَسْلَمَ وشَهِدَ مَعَنَا العَقَبَةَ وكَانَ نَقِيبًا قَالَ فَنِمْنَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ مع قَوْمِنَا في رِحالِنَا حتى إِذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ خَرَجْنَا من رِحالِنَا لِمِيعَادِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَتَسَلَّلُ مُسْتَخْفِينَ تَسَلُّلَ القَطَا حتى اجْتَمَعْنَا في الشِّعْبِ عِنْدَ العَقَبَةِ ونحن سَبْعُونَ

رَجُلًا مَعَهُمُ امْرَأَتانِ من نِسَائِهِمْ نَسِيبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ أُمُّ عُمَارَةَ إِحْدَى نِسَاءِ بَنِي مَازِنِ بنِ النَّجَّارِ وأَسْمَاءُ ابْنَةُ عَمْرِو بنِ عَدِيِّ بنِ ثَابِتٍ إِحْدَى نِسَاءِ بَنِي سَلَمَةَ وهِيَ أُمُّ مَنِيعٍ فَاجْتَمَعْنَا بِالشِّعْبِ نَنْتَظِرُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتى جَاءَنَا ومَعَهُ يَوْمَئِذٍ عَمُّهُ العَبَّاسُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ وهُوَ يَوْمَئِذٍ على دِينِ قَوْمِهِ إِلَّا أَنَّهُ أَحَبَّ أنْ يَحْضُرَ أَمْرَ ابنِ أَخِيهِ يَتَوَثَّقُ لَهُ فَلمَّا جَلَسْنَا كَانَ العَبَّاسُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ أَوَّلَ مَنْ تَكَلَّمَ فقال يا مَعْشَرَ الخَزْرَجِ - وكَانَتِ العَرَبُ مِمَّا يُسَمُّونَ هذا الحَيَّ من الأَنْصارِ الخَزْرَجَ أَوْسَهَا وخَزْرَجَهَا - إِنَّ مُحَمَّدًا مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُمْ وقَدْ مَنَعْنَاهُ من قَوْمِنَا مِمَّنْ هو على مِثْلِ رَأْيِنَا فِيهِ وهُوَ في عِزٍّ من قَوْمِهِ ومَنْعَةٍ في بَلَدِهِ قال فَقُلْنَا قَدْ سَمِعْنَا ما قُلْتَ فَتَكَلَّمْ يا رسولَ اللهِ فَخُذْ لِرَبِّكَ ولِنَفْسِكَ ما أَحْبَبْتَ فَتَكَلَّمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَتَلَا ودَعَا إلى اللهِ عزَّ وجلَّ ورَغَّبَ في الإِسْلَامِ قال أُبايِعُكُمْ على أنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ نِسَاءَكُمْ وأَبْنَاءَكُمْ قال فَأَخَذَ البَرَاءُ بنُ مَعْرُورٍ بِيَدِهِ ثمَّ قال نَعَمْ والَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لِنَمْنَعَنَّكَ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أَزْرَنَا فَبايِعْنَا يا رسولَ اللهِ فَنَحْنُ واللهِ أَهْلُ الحُرُوبِ وأَهْلُ الحَلْقَةِ ورِثْنَاهَا كَابِرًا عن كَابِرٍ قال فَاعْتَرَضَ القَوْلَ - والْبَرَاءُ يُكَلِّمُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَبُو الهَيْثَمِ بنُ التَّيِّهَانِ حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ فقال يا رسولَ اللهِ إِنَّ بَيْنَنَا وبَيْنَ الرِّجَالِ حِبالًا وإِنَّا قَاطِعُوهَا - وهِيَ العُهُودُ - فهل عَسَيْتَ إِنْ نَحْنُ فَعَلْنَا ذَلِكَ وأَظْهَرَكَ اللهُ عزَّ وجلَّ أنْ تَرْجِعَ وتَدَعَنَا؟ قال فَتَبَسَّمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال بَلِ الدَّمَ الدَّمَ والْهَدْمَ الهَدْمَ أَنْتُمْ مِنِّي وأَنَا مِنْكُمْ أُحارِبُ مَنْ حارَبْتُمْ وأُسَالِمُ مَنْ سَالَمْتُمْ وَقَالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَخْرِجُوا إِلَيَّ مِنْكُمْ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا مِنْكُمْ يَكُونُونَ على قَوْمِهِمْ فَأَخْرَجُوا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا مِنْهُمْ تِسْعَةٌ من الخَزْرَجِ وثَلَاثَةٌ من الأَوْسِ وَأَمَّا مَعْبَدُ بنُ كَعْبٍ فَحَدَّثَنِي في حَدِيثُهُ عن أَخِيهِ عن أَبِيهِ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ قال كَانَ أَوَّلَ مَنْ ضَرَبَ على يَدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ البَرَاءُ بنُ مَعْرُورٍ ثمَّ تَبايَعَ القَوْمُ فَلمَّا بايَعْنَا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَرَخَ الشَّيْطَانُ من رَأْسِ العَقَبَةِ بِأَنْفَذِ صَوْتٍ سَمِعْتُهُ يا أَهْلَ الجَباجِبِ - والْجَباجِبُ المَنَازِلُ - هل لَكُمْ في مُذَمَّمٍ والصُّباةُ مَعَهُ قَدْ أَجْمَعُوا على حَرْبِكُمْ؟ قال عليُّ يَعْنِي ابنَ إسْحاقَ ما يقولُ عَدُوُّ اللهِ مُحَمَّدٌ قال فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هذا أَزَبُّ العَقَبَةِ هذا ابنُ أَزْيَبَ اسْمَعْ أَيْ عَدُوَّ اللهِ أَمَا واللهِ لَأَفْرُغَنَّ لَكَ ثمَّ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ارْفَعُوا إِلَيَّ رِحالَكُمْ قال فقال لَهُ العَبَّاسُ بنُ عُبادَةَ بنِ نَضْلَةَ والَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَئِنْ شِئْتَ لَنَمِيلَنَّ على أَهْلِ مِنًى غَدًا بِأَسْيافِنَا قال فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَمْ أُؤْمَرْ بِذَلِكَ قال فَرَجَعْنَا فَنِمْنَا حتى أَصْبَحْنَا فَلمَّا أَصْبَحْنَا غَدَتْ عَلَيْنَا جُلَّةُ قُرَيْشٍ حتى جَاءُونَا في منازِلِنَا فقالُوا يا مَعْشَرَ الخَزْرَجِ إنَّه قَدْ بَلَغَنَا أَنَّكُمْ قَدْ جِئْتُمْ إلى صاحِبِنَا هذا تَسْتَخْرِجُونَهُ من بينِ أَيْدِينَا وتُبايِعُونَهُ على حَرْبِنَا واللهِ إنَّه ما من العَرَبِ أَحَدٌ أَبْغَضُ إلَيْنَا أنْ تَنْشَبَ الحَرْبُ بَيْنَنَا وبَيْنَهُمْ مِنْكُمْ قال فَنَبْعَثُ من هُنَالِكَ من مُشْرِكِي قَوْمِنَا يَحْلِفُونَ لَهُمْ بِاللهِ ما كان من هذا من شَيْءٍ ومَا عَلِمْنَاهُ وقَدْ صدَقُوا لَمْ يعلمُوا ما كَانَ مِنَّا قال فَبَعْضُنَا يَنْظُرُ إلى بَعْضٍ قال وقَامَ القَوْمُ وفِيهِمُ الحارِثُ بنُ هِشَامِ بنِ المُغِيرَةِ وعَلَيْهِ نَعْلَانِ جَدِيدَانِ قال فَقُلْتُ كَلِمَةً كَأَنِّي أُرِيدُ أنْ أُشْرِكُ القَوْمَ بها فِيما قالُوا ما تسْتَطِيعُ يا أبا جابِرٍ وأنت سَيِّدٌ من سَادَاتِنَا أنْ تَتَّخِذَ نَعْلَيْنِ مثلَ نَعْلَيْ هذا الفَتَى من قُرَيْشٍ؟ قال فَسمِعَهَا الحارِثُ فَخَلَعَهُمَا ثمَّ رَمَى بِهِمَا إِلَيَّ قال واللهِ لَتَنْتَعِلَنَّهُمَا قال يقولُ أَبُو جَابِرٍ أَحْفَظْتَ - واللهِ - الفَتَى ارْدُدْ عليْه نَعْلَيْهِ قال فَقُلْتُ واللهِ لا أَرُدُّهُمَا قال ووَاللَّهِ صالِحٌ لَئِنْ صَدَقَ الفَأْلُ لَأَسْلُبَنَّهُ فَهذَا حَدِيثُ ابنِ مَالِكٍ عَنِ العَقَبَةِ ومَا حَضَرَ مِنْهَا)

الراوي: كعب بن مالك المحدث: الهيثمي - المصدر: مجمع الزوائد - الصفحة أو الرقم: 6/45
خلاصة حكم المحدث: رجاله رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع
الجُباجب: جمع جُبجب - بالضم - وهو المستوي من الأرض، وهي ها هنا أسماء منازل بمنيً؛ "نهاية".


**************************
[1] التَّيهان: يخفف ويثقل، كقوله: ميِّت ومَيْت؛ "سيرة ابن هشام" 2/ 24.
[2] ذكر ابن اسحاق أسماء أصحاب بيعة العقبة الأولى والثانية "سيرة ابن هشام" 2/ 22، 24 قال: حدثني عاصم بن عمرو بن قتادة عن أشياخ من قومه.
قلتُ: وعاصم تابعي، قال ابن حجر: ثقة، عالم بالمغازي؛ "تقريب"، وقال الذهبيُّ: صدوق علاَّمة بالمغازي؛ "كاشف".
[3] متفق عليه: أخرجه البخاري (3893)، كتاب: مناقب الأنصار، باب: وفود الأنصار إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بمكة وبيعة العقبة، ومسلم (1709)، كتاب: الحدود، باب: الحدود كفارات لأهلها.
[4] متَّفَق عليه: أخرجه البخاري (3892)، كتاب: مناقب الأنصار، باب: وفود الأنصار إلى النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بمكة وبيعة العقبة، ومسلم (1709)، كتاب: الحدود، باب: الحدود كفارة لأهلها.
[5] "سيرة ابن هشام" 2/ 24 بتصرف.
قال بعض أهل السير: إن النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أرسل مع مصعب بن عمير ابنَ أمِّ مكتوم - رضي الله عنهما - وممن قال بذلك العلاَّمةُ ابن سَيِّد الناس - رحمه الله - حيث قال في "عيون الأثر" 1/ 265:
 فلما انصرفوا - أيْ: أصحاب البيعة - بعث رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - معهم ابن أمِّ مكتوم، ومصعب بن عمير يُعلِّمان مَن أسلم منهم القرآن؛ اهـ.
قلت: الصواب أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لم يرسل إلا مصعب بن عمير فقط، كما نص على ذلك أكثر أهل السير.
وأظن أن الوهم دخل على من قال بذلك مما رواه البخاري في "صحيحه" (3924، 3925) عن البراء بن عازبٍ - رضي الله عنه - قال: أول من قدم علينا مصعبُ بن عمير وابن أمِّ مكتوم، وكانوا يُقْرِئون الناس... الحديث.
قلتُ: الصحيح أن هذا الحديث إنما يتحدث فيه البراء - رضي الله عنه - عن الهجرة لا عن البيعة ولا عن من أرسله رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - مع أصحاب البيعة.
ومما يدلُّ على ذلك:
1- أنه لم يرد في الحديث قط ذكر البيعة، إنما ورد ذكر الهجرة صريحًا في إحدى روايات الحديث، كما ذكر ذلك ابن حجر في "فتح الباري" 7/ 306 حيث قال: في رواية عن شعبة عند الحاكم في "الإكليل" عن عبدالله بن رجاء في روايته (من المهاجرين)؛ اهـ.
2- ما ذُكر في الرواية نفسها حيث قال البراء - رضي الله عنه -: ثم قدم علينا عمَّارُ بن ياسر وبلالٌ وسعد، ثم قدم عمر بن الخطاب في عشرين من أصحاب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم قدم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -... الحديث، فهذا يوضح أنه يتكلم في شأن الهجرة.
وقد فهم ذلك الإمام البخاريُّ - رحمه الله - فبوَّبَ على الحديث باب: مقدم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأصحابه المدينة.
فيُعلم مما سبق أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أرسل مصعب وحده، ثم إن مصعب رجع إلى مكة قبل البيعة الثانية - كما ذكر ذلك أهل السِّيَر - ثم هاجر إلى المدينة مرة أخرى لَمَّا أذن لهم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم
 - بالهجرة، وكان أوَّل المهاجرين إلى المدينة - كما دلَّ عليه حديثُ البراء - رضي الله عنه - السابق - ثم استأنف مصعب نشاطه السابق في إقراء الناس وتعليمهم، وتبعه ابنُ أمِّ مكتوم، وكان يساعده في مهمته، والله أعلم.
[6] رُوي أن الذي أمَّ المسلمين في هذه الجمعة مصعب بن عمير، وهو ضعيف.
قال ابن كثير - رحمه الله -: وقد روى الدارقطني عن ابن عباس أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كتب إلى مصعب بن عمير يأمره بإقامة الجمعة، وفي إسناده غرابة، والله أعلم؛ "البداية والنهاية" 3/ 163.
[7] الهَزْم: المنخفض من الأرض، والنبيت: موضع.
[8] حَرَّة - بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء -: هي الأرض ذات الحجارة السود.
[9] هو المنخفض من الأرض يستنقع فيه الماء.
[10] نقيع الخَضَمات: موضع بنواحي المدينة.
[11] حسن: أخرجه أبو داود (1069)، كتاب: الصلاة، باب: الجمعة في القرى، وابن ماجه (1082)، كتاب: الصلاة، باب: فرض الجمعة.

والمعنى أنه جَمَّع في قرية يقال لها: "هزم النبيت"، هي كانت في حرَّة بني بياضة في المكان الذي يجتمع فيه الماء، واسم ذلك المكان: "نقيع الخضمات"، وتلك القرية هي على ميل من المدينة؛ "عون المعبود" 2/ 425.

[12] صحيح: أخرجه أحمد 3/ 32، 339 - 340، الحاكم 2/ 624، 625، وصححه وأقره الذهبي.
[13] الجُباجب: جمع جُبجب - بالضم - وهو المستوي من الأرض، وهي ها هنا أسماء منازل بمنيً؛ "نهاية".


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق